وابن هرمز ، إذ يقول الزبيدى : «أول من أصّل النحو وأعمل فكره فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدّولى ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ، فوضعوا للنحو أبوابا وأصّلوا له أصولا ، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف» (١).
وكل ذلك من عبث الرواة الوضّاعين المتزيّدين ، وهو عبث جاء من أن أبا الأسود نسب إليه حقّا أنه وضع العربية ، فظن بعض الرواة أنه وضع النحو ، وهو إنما وضع أول نقط يحرّر حركات أواخر الكلمات فى القرآن الكريم بأمر من زياد بن أبيه أو ابنه عبيد الله. وقد اتخذ لذلك كاتبا فطنا حاذقا من بنى عبد القيس ، وقال له : إذا رأيتنى قد فتحت شفتىّ بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، وإن ضممت شفتىّ فانقط نقطة بين يدى الحرف ، وإن كسرت شفتىّ فاجعل النقطة من تحت الحرف ، فإن أتبعت شيئا من ذلك غنّة (تنوينا) فاجعل مكان النقطة نقطتين. وابتدأ أبو الأسود المصحف حتى أتى على آخره ، بينما كان الكاتب يضع النقط بصبغ يخالف لونه لون المداد الذى كتبت به الآيات (٢). وكان هذا الصنيع الخطير الذى سمّى باسم رسم العربية سببا فى أن يختلط الأمر فيما بعد على الرواة فتظن طائفة منهم أن أبا الأسود رسم النحو وشيئا من أبوابه ، وهو إنما رسم إعراب القرآن الكريم عن طريق نقط أواخر الكلمات فيه.
وحمل هذا الصنيع عن أبى الأسود تلاميذه من قرّاء الذكر الحكيم وفى مقدمتهم نصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر وعنبسة (٣) الفيل وميمون (٤) الأقرن ، فكل هؤلاء «نقطوا المصحف وأخذ عنهم النّقط وحفظ وضبط وقيّد وعمل به واتّبع فيه سنتهم واقتدى فيه بمذاهبهم» (٥) وأضافوا إلى ذلك عملا جليلا هو اتخاذ نقط جديد للحروف المعجمة فى المصاحف تمييزا لها
__________________
(١) الزبيدى ص ٢.
(٢) راجع كتاب المحكم فى نقط المصاحف للدانى (طبع دمشق) ص ٣ وما بعدها والقفطى ١ / ٥.
(٣) انظر فى ترجمة عنبسة أبا الطيب اللغوى ص ١١ والزبيدى ص ٢٤ والسيرافى ص ٢٣ وابن الأنبارى ص ١٢ ومعجم الأدباء ١٦ / ١٣٣ وإنباه الرواة ٢ / ٣٨١ وبغية الوعاة ص ٣٦٨.
(٤) راجع فى ترجمة ميمون أبا الطيب اللغوى ص ١١ والزبيدى ص ٢٤ والسيرافى ص ٢٢ ومعجم الأدباء ١٩ / ٢٠٩ وإنباه الرواة ٣ / ٣٣٧ وبغية الوعاة ص ٤٠١.
(٥) المحكم فى نقط المصاحف ص ٦.