مدرسة البصرة فى بعض مصطلحاتها ، ولذلك رفضها نحاة العصور التالية فيما عدا اصطلاح النعت وعطف النسق كما قدمنا ، على أن كلمتى العطف والنعت دارتا عند سيبويه فى حديثه عن التوابع فى الكتاب.
والحق أنها مصطلحات أريد بها أو على الأقل بأكثرها إلى مجرد الخلاف على مدرسة البصرة ، ومما يدل على ذلك أوضح الدلالة موقف هؤلاء النحاة من ألقاب الإعراب والبناء التى وضعتها المدرسة البصرية ، إذ ميزت بين حركات أواخر الكلمات المعربة والمبنية ، فجعلت الرفع والنصب والجر والجزم للمعربة ، وجعلت الضم والفتح والكسر والوقف أو السكون للمبنية ، وفكر الكوفيون طويلا هل يمكن أن يضعوا لهذه الألقاب أسماء جديدة؟ حتى إذا أعياهم ذلك لجئوا إلى قلبها ، فجعلوا ألقاب الإعراب للمبنى من الكلمات وألقاب البناء للمعرب (١) ، وطبعا تلقّى النحاة من حولهم ومن بعدهم ذلك بالرفض الباتّ ، لأنه لا تدعو إليه حاجة ، ولأنه يؤول إلى إفساد ما بأيديهم من كتب النحو البصرى الذى اتخذوه إمامهم ، بل كان أيضا إماما للكوفيين وعلما مرفوعا ، يهتدون به ويستمدون منه مددا لا ينضب معينه.
وعلى نحو ما حاولوا الخلاف على المدرسة البصرية فى بعض مصطلحاتها النحوية حاولوا الخلاف عليها فى جوانب من العوامل والمعمولات ، من ذلك إعراب المبتدأ والخبر ، فقد ذهب البصريون إلى أن العامل فى المبتدأ الرفع هو الابتداء ، أما الخبر فذهب جمهورهم إلى أنه مرفوع بالمبتدأ ، وقال قوم منهم إنه مرفوع بالابتداء ، مثله فى ذلك مثل المبتدأ. وذهب الكوفيون إلى آن المبتدأ يرفع الخبر ، والخبر يرفع المبتدأ ، فهما مترافعان (٢). وهو رأى واضح الضعف ، لأنه ينتهى بالكوفيين إلى الدور المحال ، كما يؤول إلى أن يرتفع المبتدأ بشىء يجرى على اللسان قبل النطق به. وقد لا يكون الخبر اسما مرفوعا بل يكون فعلا فى مثل «محمد كلمته» وقد ذهبوا فى هذه العبارة إلى أن رافع المبتدأ هو الضمير المنصوب العائد على المبتدأ والمتصل بالفعل ، وهو إبعاد فى تقدير العامل فى المبتدأ ، بل هو تكلف شديد ، ومرّ بنا فى ترجمة الجرمى مناظرته مع الفراء فى مثل هذا
__________________
(١) الرضى على الكافية ١ / ٢١ ، ٢ / ٣ وابن يعيش ١ / ٧٢.
(٢) الإنصاف : المسألة رقم ٥ والهمع ١ / ٩٤ والرضى ١ / ٧٨ وابن يعيش ١ / ٨٤.