وناصبه فعل مقدر تقديره أدعو وحذف الفعل حذفا لازما لكثرة الاستعمال ولدلالة حرف النداء عليه. وذهب المبرد إلى أنه منصوب بيا لسدّها مسد الفعل. وذهب الكسائى إلى أنه مرفوع لتجرده من العوامل اللفظية ، وفاته أنه مسبوق بيا ، وأنه غير منون. أما الفراء فذهب مذهبا بعيدا ، إذ زعم أن أصل «يا زيد» مثلا : يا زيدا ، ثم اكتفى بيا وحذفت الألف الملحقة به ، فبنى على الضم. وهو بعد واضح فى التقدير (١). والمثال الثالث كلمة حتى حين تجر ما بعدها من الأسماء مثل «قرأت الكتاب حتى الصحيفة الأخيرة منه» فقد جعلها البصريون حرفا جارّا بنفسه ، وأبى الكسائى إلا أن يجعل ما بعدها مجرورا لا بها وإنما بإلى الجارة مضمرة (٢) ، دون حاجة إلى هذا الإضمار والتقدير ، إلا تصور أن الأصل فيها أن يليها الأفعال!. والمثال الرابع «لولا» فى مثل «لولا محمد لجئت» فإن البصريين يعربون الاسم المرفوع بعدها مبتدأ رافعه الابتداء وخبره محذوف ، وذهب الفراء إلى أن لو لا هى التى عملت الرفع فيه وأنها نابت مناب فعل محذوف تقديره يمتنع (٣) ، وليس فى حروفها ولا فى مادتها ما يشير إلى هذا الفعل ، وكأنه أوجد بين الحروف أداة تعمل الرفع فى الأسماء ، وهو إبعاد واضح فى التقدير.
وعلى هذه الشاكلة كان الكوفيون يحاولون النفوذ إلى آراء جديدة فى العوامل والمعمولات ، كما كانوا يحاولون النفوذ إلى بعض المصطلحات التى يخالفون بها ما اصطلح عليه البصريون ، حتى يفترق نحوهم على الأقل بعض الافتراق من نحو البصرة. وبذلك كله وبما سنفصل فيه الحديث عند أعلامهم استطاعوا أن يكونّوا لهم مدرسة نحوية مستقلة ، لا ترقى حقّا إلى منزلة المدرسة البصرية ، ولكنها على كل حال مدرسة بيّنة المعالم واضحة القسمات والملامح.
__________________
(١) الرضى ١ / ١٢٩.
(٢) ابن يعيش ١ / ٧٧ والرضى ٢ / ٢٤١ والإنصاف : المسألة رقم ٨٣.
(٣) ابن يعيش ١ / ٩٥.