هشام الضرير من الأخيرين إلى أن رافعه العامل فيه هو الإسناد لا الفعل ، وكأنه نفذ إلى هذا الرأى حين رأى الكسائى يقول إن رافعه كونه داخلا فى وصف فعله (١). وكان الفراء يذهب فى مثل «قام وقعد على» إلى أن عليّا فاعل للفعلين جميعا ، فهما يعملان فيه معا (٢) ، وذهب الكسائى إلى أن الفاعل حذف مع أحد الفعلين ، فعلى فاعل لقام وقعد حذف فاعلها. ويتضح ذلك أكثر فى باب التنازع ، فقد كان يرى أن كلمنى فى مثل «كلمنى وكلمت محمدا» محذوف معها الفاعل لا مضمر (٣). والبصريون يضمرون الفاعل فى الفعل الأول ويرفضون رأى الفراء لأنه يترتب على ذلك إخلال بالقاعدة النحوية العامة التى تجعل لكل فاعل فعلا ، مما قد يحدث تشويشا فى أذهان المتعلمين ، لعدم اطراد القاعدة ، وكذلك يرفضون رأى الكسائى لذلك ولأن الأخذ برأيه يؤول إلى اعتبار الفاعل محذوفا فى مثل زيد قام ، وهو ما لا يقول به نحوى.
ونضرب بعض الأمثلة التى تصور مدى بعد الكوفيين فى التأويل والتقدير شغفا بالخلاف على المدرسة البصرية ، أما المثال الأول فهو الاستثناء بإلا فى مثل قام القوم إلا محمدا فقد كان جمهور البصريين وفى مقدمتهم سيبويه يرون أن ناصب المستثنى هو الفعل قبله بواسطة إلا. وذهب قوم منهم إلى أنه «إلا» نفسها. وذهب الكسائى إلى أنه منصوب بإنّ مقدرة بعد إلا محذوفة الخبر ، فتقدير «قام القوم إلا محمدا» عنده «قام القوم إلا أن محمدا لم يقم». ولا يخفى ما فى هذا التقدير من تمحل بعيد. وذهب الفراء إلى أن إلا مركبة من إنّ ولا ، وحذفت من إن النون الثانية تخفيفا ، وأدغمت الأولى فى لام «لا» بعد شىء من التقديم والتأخير إذ زعم أن أصل العبارة «قام القوم إن محمدا لا قام». وهو تمحل أشد من تمحل أستاذه ، ويظهر فساده فى الاستثناء المفرغ فى مثل ما قام إلا محمد ، فإن كلمة محمد مرفوعة بعد إلا وليست منصوبة (٤). والمثال الثانى المنادى فى مثل «يا محمد» فقد ذهب جمهور البصريين إلى أنه مبنى على الضم فى محل نصب ،
__________________
(١) الهمع ١ / ١٥٩.
(٢) الهمع ٢ / ١٠٩ والرضى ١ / ٧١.
(٣) الرضى على الكافية ١ / ٨٧ والمغنى ص ٦٧٣ وابن يعيش ١ / ٧٧.
(٤) الرضى ١ / ٢٠٧ وابن يعيش ٢ / ٧٦.