فى إنّ الكسر حين تقع جوابا لقسم مثل «والله إن محمدا مسافر» لكثرة ذلك فى السماع عن العرب ، وخالفهم الكسائى ، فجوّز الكسر والفتح واختار فتحها مع ندرته فى السماع (١). ومن ذلك أنه جوّز العطف بالرفع على المفعول الأول لظن إذا كان المفعول الثانى فعلا ، فيقال «أظن محمدا وعلى سافرا» ولم يسند ذلك بأى سماع أو أى شاهد عن العرب ، ولعل ذلك ما جعل الفراء تلميذه يقف فى صفوف البصريين منكرا هذا الحكم الغريب (٢). ومن ذلك أنه كان يجيز فى الاختيار تقديم الحال على صاحبها مثل «زيد طالعة الشمس» وهو حكم لا يتفق ومنطق التعبير وسياقه (٣). وربما كان أغرب ما انتهى إليه هو وتلميذه الفراء من حكم لا يسنده أى سماع ولا أى شاهد ما ذهبا إليه من بناء فعلى «كان وجعل» للمجهول فيقال «كين قائم وكين يقام وجعل يفعل» بنيابة الخبر عن الاسم مع الفعلين الناقصين ، إذ يريدان «جعل» التى تدخل فى أفعال المقاربة. وهى صياغات غريبة ، ولذلك أنكرها الرضى فى شرحه على الكافية إنكارا شديدا (٤).
ولعل فى ذلك وأمثاله مما نجده عند الكسائى ونحاة الكوفة ما يدل أكبر الدلالة على خطأ من يحاولون رفع المدرسة الكوفية فوق المدرسة البصرية فى الحس اللغوى وتبين روح اللغة زاعمين أنهم لم يكونوا يتعدون الرواية والسماع وهم قد تعدوهما كثيرا ، كما تعدّوا حدود القياس السديد. وقد حاولوا ـ جاهدين ـ أن يخالفوا سيبويه وغيره من نحاة البصرة فى كثير من وجوه الإعراب والتقدير فى العبارات ، مما جرّهم فى كثير من الأمر إلى صور مختلفة من التعقيد والبعد فى التأويل ، فمن ذلك إعراب الأسماء الخمسة : «أبوك وأخواتها» فقد كان سيبويه وجمهور البصريين يرون أنها معربة بحركات مقدرة فى الحروف أى فى الواو رفعا والألف نصبا والياء جرّا ، وذهب الأخفش إلى أنها معربة بحركات مقدرة على ما قبل تلك الحروف ، بينما ذهب الكسائى ـ وتبعه الفراء ـ إلى أنها معربة من مكانين بالحروف والحركات السابقة لها معا ، غير ملتفتين إلى أن علامات الإعراب إما أن تكون
__________________
(١) الهمع ١ / ١٣٧.
(٢) الهمع ٢ / ١٤٥.
(٣) الهمع ١ / ٢٤٢.
(٤) الرضى على الكافية ١ / ٧٤ والهمع ١ / ١٦٤.