إذ ذهبا إلى أنها باقية على إعمالها عمل كان ولكن قلب الكلام فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس (١) وواضح من اعتراضه على المذهبين الثانى والثالث أنه إنما يرتضى مذهب سيبويه. وكان يقف معه ضد الكسائى فى أن زيدا فى مثل «هل زيدا رأيته» منصوب على الاشتغال بفعل محذوف ولا يصح أن يكون مبتدأ (٢) ، وأن حيث لا تضاف إلى المفرد قياسا (٣) ، وأن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان بمعنى الحال والاستقبال وقد تمسك الكسائى بإعماله وهو بمعنى الماضى فى الآية الكريمة : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) وخرّج ذلك ابن هشام على حكاية الحال (٤). ومما خالف فيه الكسائى أيضا متشيعا لسيبويه وجمهور البصريين أن معمول اسم الفعل لا يصح أن يتقدم عليه (٥) ، وأن «إذن» الناصبة للمضارع لابد أن تتصدر الجملة (٦) ، وأن المضارع ينصب بأن مضمرة وجوبا بعد اللام وأو وحتى والفاء والواو (٧). وكان يأخذ برأى سيبويه فى أن «إذما» حرف شرط مثل إن الشرطية تماما خلافا للمبرد والفارسى القائلين بأنها ظرف زمان (٨) ، وكذلك أخذ برأيه فى أنه لا يجوز أن يقال : «هذا لك وأباك» بنصب أباك مفعولا معه لعدم تقدم فعل فى الجملة أو شبهه خلافا للفارسى (٩). ومما كان يأخذ فيه برأى جمهور البصريين أنّ «زيد» فى «مثل إن زيد قام» فاعل لفعل محذوف لا مبتدأ خلافا للأخفش والكوفيين (١٠) ، وأن الفاعل لا يصح أن يتقدم على فعله خلافا لأهل الكوفة (١١).
وليس معنى ذلك أنه كان متعصبا لسيبويه وجمهور البصريين ، وإنما معناه أنه كان يوافقهم فى الكثرة الكثيرة من آرائهم النحوية ، ولكن دون أن يوصد الأبواب أمام بعض آراء الكوفيين والبغداديين حين يراها جديرة بالاتباع ، ومما كان يتابع فيه الكوفيين أن الفعل ماض ومضارع فقط وأن الأمر فرع من
__________________
(١) المغنى ص ١٦٤.
(٢) التصريح ١ / ٢٩٧.
(٣) التصريح ٢ / ٣٩ والمغنى ص ١٤١.
(٤) التصريح ٢ / ٦٦.
(٥) التصريح ٢ / ٢٠٠.
(٦) التصريح ٢ / ٢٣٤.
(٧) التصريح ٢ / ٢٣٥.
(٨) التصريح ٢ / ٢٤٧ وانظر المغنى ص ٩٢.
(٩) التصريح ١ / ٣٤٣.
(١٠) التصريح ١ / ٢٧٠.
(١١) التصريح ١ / ٢٧١.