فمن تحليله للعبارات تحليله لصيغة التعجب فى مثل «ما أحسن عبد الله» فقد ذكر أنه بمنزلة قولك شىء أحسن عبد الله ودخل ما معنى التعجب ، ويقول إنه تمثيل ولم يتكلم العرب به (١) ، ومن ثمّ قال النحاة إن ما نكرة تامة بمعنى شىء وأعربوها مبتدأ ، والجملة بعدها خبر. ومن ذلك قولهم : «هذا القول لا قولك» بنصب «قولك» فقد جعلها مفعولا مطلقا على الرغم من أنها مضافة وقابل بينها وبين قولهم فى الاستفهام «أجدّك لا تفعل كذا وكذا» يقول : كأنه قال «أحقّا لا تفعل كذا وكذا» وأصله من الجد ، كأنه قال : «أجدّا» ويقول إن عبارة جدك لا تتصرّف ولا تفارق الإضافة ، إذ هى فى حكم الأمثال ، ومثلها «لا قولك» فإنهم لو قالوا : «هذا القول لا قولا» لم يكن فى هذا بيان لأنه ليس كل قول باطلا ، ومن أجل ذلك كان لا بد أن يحققوا القول عن طريق الإضافة إلى المخاطب (٢). ومن ذلك تحليله للفظة «اللهم» فى النداء ، فقد كان يقول إن الميم فى آخرها بدل من يا (٣) ولذلك لا يجمع بينهما. وكان لا يبارى فى تحليله للأدوات المبهمة وبيان اختلاف معانيها باختلاف مواقعها من الكلام ، من ذلك ما قاله سيبويه من أنه سأله عن قول العرب : «أما إنه ذاهب وأما أنه منطلق» بكسر إن وفتحها فى العبارتين ، فقال : إذا قال القائل «أما أنه منطلق» بالفتح فقد جعله كقولهم «حقّا أنه منطلق» ومعروف أن حقّا مفعول مطلق وأنه منطلق فاعل مؤول. وقال الخليل أما إذا قال القائل : «أما إنه منطلق» بالكسر فإنه بمنزلة قولهم «ألا إنه منطلق» (٤). وكان يسعفه فى مثل هذا التحليل معرفته الواسعة بلغات العرب وحسّه الدقيق فى معرفة مواقع الكلام ، من ذلك أن سيبويه سأله عن قوله عزوجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) فى قراءة من قرأ إنها بالكسر ، فقال : ما منعها أن تكون كقولك «ما يدريك أنه لا يفعل» فقال الخليل : لا يحسن ذلك فى هذا الموضع ، إنما قال عزوجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ) ثم ابتدأ ، فأوجب ، فقال (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ولو قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) بالفتح كان ذلك عذرا لهم. ولكن بعض القرّاء قرأها بالفتح ، وذكر له
__________________
(١) الكتاب ١ / ٣٧.
(٢) الكتاب ١ / ١٨٩.
(٣) الكتاب ١ / ٣١٠.
(٤) الكتاب ١ / ٤٦٢.