عودا على بدء ، ولكنه مثّل به. ومن رفع فوه إلى فىّ أجاز الرفع فى قوله : رجع فلان عوده على بدئه. ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه الفعل قولك : بعت الشاء شاة ودرهما ، وقامرته درهما فى درهم ، وبعته دارى ذراعا بدرهم ، وبعت البرّ قفيزين بدرهم ، وأخذت زكاة ماله درهما لكل أربعين درهما ، وبيّنت له حسابه بابا بابا ، وتصدّقت بمالى درهما درهما. واعلم أن هذه الأشياء لا ينفرد منها شىء دون ما بعده ، وذلك أنه لا يجوز أن تقول كلمته فاه حتى تقول إلى فىّ لأنك إنما تريد مشافهة ، والمشافهة لا تكون إلا من اثنين ، فإنما يصح المعنى إذا قلت إلى فىّ. ولا يجوز أن تقول بايعته يدا لأنك إنما تريد أن تقول أخذ منى وأعطانى ، فإنما يصح المعنى «بيد» لأنهما عملان. ولا يجوز أن تقول انثنى عوده ، لأنك لا تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوع ، وإنما أردت أنه رجع فى حافرته أى نقض مجيئه برجوع. وقد يكون أن ينقطع مجيئه ثم يرجع ، فيقول رجعت عودى على بدئى أى رجعت كما جئت ، والمجىء موصول به الرجوع ، فهو بدء والرجوع عود. ولا يجوز أن تقول بعت دارى ذراعا وأنت تريد بدرهم ، فيرى المخاطب أن الدار كلها ذراع. ولا يجوز أن تقول بعت شائى شاة شاة وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أنك بعتها الأول فالأول على الولاء. ولا يجوز أن تقول بيّنت له حسابه بابا فيرى المخاطب أنك إنما جعلت له حسابه بابا واحدا غير مفسّر. ولا يجوز تصدّقت بمالى درهما فيرى المخاطب أنك تصدّقت بدرهم واحد. وكذلك هذا وما أشبهه».
وواضح ما يحمله هذا التحليل من دقة الحس ودقة الفقه بأساليب العربية واستعمالاتها ودلالاتها ، ومن هنا كان كتاب سيبويه لا يعلّم العربية وقواعدها فحسب ، بل يعلم أيضا أساليبها ودقائقها التعبيرية. وعلى نحو ما نراه فى هذه الفقرة يتوقف فى الكتاب مرارا لينص على ما لم يستعمله العرب ولا جرى على ألسنتهم. ودائما تلقانا فى الكتاب مثل هذه التحليلات الرائعة ، فهو لا يسجل القواعد فقط ، وإنما يفكر فى العبارات ويلاحظ ويتأمل ويستنبط خواصّها ومعانيها بحسّه الدقيق المرهف ، ويكفى أن نقف عند أمثلة أخرى من باب فاء