العراك أى معتركة (١) ، ويمثّل له فى موضع آخر بقولهم : «لقيته فجاءة ومفاجأة وعيانا» و «كلمته مشافهة وأتيته ركضا وعدوا ومشيا» و «أخذت ذلك عنه سمعا وسماعا» ثم يقول : «وليس كل مصدر وإن كان فى القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأن المصدر ههنا فى موضع فاعل إذا كان حالا ، ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا أتانا رجلة» إذ المصدر فى المثالين ليس فى موضع فاعل (٢). وجعله إحساسه الدقيق بأن الحال يقع فيها الفعل أو بعبارة أخرى تقيّد بزمنه ، فإنك إذا قلت جاء محمد ضاحكا ، كانت «ضاحكا» صفة له مقيّدة بالفعل وزمنه ، وجعله ذلك يقول إنها حال مفعول فيها (٣) ، وكأنها تقع بين النعت وظرف الزمان. وهذا نفسه هو الذى لفته إلى أن يقول إن واو الجملة الحالية فى مثل «جاء زيد والشمس طالعة» قيد بمعنى إذ ، أى أنها تدل على الزمان (٤). ومن تحليلاته الطريفة فى باب الحال وقد تصوّره مفعولا فيه ما عرض له فى الباب الذى عنونه بقوله : «هذا باب ما ينتصب من الأسماء التى ليست بصفة ولا مصادر لأنه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول فيه» يقول (٥) : «وذلك قولك كلمته فاه إلى فىّ وبايعته يدا بيد كأنه قال كلمته مشافهة وبايعته نقدا ، أى كلمته فى هذه الحال ، وبعض العرب يقول كلمته فوه إلى فىّ كأنه يقول كلمته وفوه إلى فىّ أى كلمته وهذه حاله ، فالرفع على قوله كلمته وهذه حاله ، والنصب على قوله كلمته فى هذه الحال فانتصب ، لأنه حال وقع فيه الفعل ، وأما يدا بيد فليس فيه إلا النصب لأنه لا يحسن أن تقول بايعته ويد بيد ولم يرد أن يخبر أنه بايعه ويده فى يده ، ولكنه أراد أن يقول بايعته بالتعجيل ولا يبالى أقريبا كان أم بعيدا. وإذا قال كلمته فوه إلى فىّ فإنما يريد أن يخبر عن قربه منه وأنه شافهه ولم يكن بينهما أحد. ومثله من المصادر فى أن تلزمه الإضافة وما بعده مما يجوز فيه الابتداء ويكون حالا قولهم : رجع فلان عوده على بدئه وانثنى فلان عوده على بدئه كأنه قال انثنى عودا على بدء. ولا يستعمل فى الكلام رجع
__________________
(١) الكتاب ١ / ١١٨.
(٢) الكتاب ١ / ١٨٦.
(٣) الكتاب ١ / ١٩٤ وانظر ١ / ٢٦٠.
(٤) المغنى ص ٣٩٨.
(٥) الكتاب ١ / ١٩٥ وما بعدها.