أن قوله : (فَيَكُونُ) كلاما مستقلا لا مترتبا على الأمر. ومن هنا نرى سيبويه يذكر فى الآية قراءة الجمهور بالرفع ، ولا يعرض لقراءة ابن عامر (١). ومن ذلك أن نراه لا يعرض لقراءة حمزة : (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) بخفض الأرحام وعطفها على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض مع أنه يقرر أنه لا يصح أن يقال : مررت بك وزيد ، بل لا بد من أن يقال : مررت بك وبزيد أى أنه لا بد فى العطف على الضمير المجرور من إعادة حرف الجر(٢).
ويتردد فى الكتاب سماعه عن علماء اللغة الموثّقين فى موطنه وفى مقدمتهم أستاذه الخليل ، وله فى الكتاب القدح المعلّى ، ويليه يونس بن حبيب ، وقد نقل عنه أكثر من مائتى مرة (٣) ، ثم الأخفش الكبير ومجموع نقوله عنه سبعة وأربعون نقلا ، ثم أبو عمرو بن العلاء ، وقد روى عنه أربعا وأربعين رواية ، ثم عيسى بن عمر ، ومجموع نقوله عنه اثنتان وعشرون مرة ، ثم ابن أبى إسحق وقد نقل عنه أربع مرات. وهو لا ينقل عنه ولا عن أبى عمرو بن العلاء مباشرة. ويروى السيرافى عن أبى زيد أنه كان يقول : كلما قال سيبويه : «وأخبرنى الثقة فأنا أخبرته» وتكررت الرواية فى الكتاب عن هذا الثقة تسع مرات. ونقل أيضا عن الكوفيين بعض وجوه من القراءات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وذكرنا آنفا أنه دخل بوادى نجد والحجاز وأنه قيّد كثيرا عن العرب ، ويطفح الكتاب بما قيده عنهم شعرا ونثرا. وكان موقفه من العرب دائما أن يسجل الصورة الشائعة على ألسنتهم فى التعبير معتمدا عليها فى تقرير قواعده ، ولم يكن يسجلها وحدها ، بل كان يسجل دائما ما جاء شذوذا على ألسنتهم ، وهو ينعته تارة بالضعف وتارة بالشذوذ أو القبح أو الغلط ، يقصد بذلك إلى أنه يخالف القياس الذى ينبغى اتباعه ، من ذلك قوله : «واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون : إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان» (٤) وهو بذلك يقرر أن توكيد اسم إن والمعطوف عليه ينبغى أن يكونا جميعا منصوبين لأنهما يتبعان منصوبا ،
__________________
(١) الكتاب ١ / ٤٢٣.
(٢) الكتاب ١ / ٣٩١ وانظر ١ / ٣٩٧ وكذلك ٢ / ١٧٠ فى تحقيق همزة نبى مقارنا بكتاب النشر ١ / ٢١٠ ، ٤٠٦ ورد فى ٢ / ٤١٢ إدغام الراء فى اللام فى مثل قوله تعالى (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) مقارنا بكتاب النشر ٢ / ٢٣٧.
(٣) انظر فى عد هذا النقل عن يونس وغيره من التالين كتاب سيبويه لعلى النجدى ناصف ص ٨٩ وما بعدها.
(٤) الكتاب ١ / ٢٩٠