النبي المبعوث منهم ، فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم من غيرهم ، خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم ، فعمدوا إلى صفة محمد صلىاللهعليهوسلم فغيروها ، ثم أخرجوها إليهم ، وقالوا : هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان ، لا يشبه نعت هذا النبي ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) الآية.
التفسير والبيان :
يستمر القرآن في كشف مواقف أهل الكتاب من القرآن والنبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، ففي الآيات السابقة أوضح أنهم حرموا بعض الحلال ، وابتدعوا في الدين رهبانية وتقشفا في المآكل والمشارب ، وهنا يبين أنهم كتموا ما أنزل الله في كتبهم من صفات النّبيصلىاللهعليهوسلم فحرفوه وبدلوه ، وأخفوا الصحيح وأظهروا الكاذب ، وتاجروا بالدين ، واتخذوه وسيلة ارتزاق واحتراف معيشة ، كما قال : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) [الأنعام ٦ / ٩١].
إن الذين يخفون ما أنزل الله من وصف النّبي صلىاللهعليهوسلم نبي آخر الزمان وبيان زمانه وقومه وغير ذلك مما يشهد بصدق نبوته وكمال رسالته ، أو يؤولونه ويحرفونه ، في مقابل أخذ الأجور القليلة على الفتاوى ، يأكلون الحرام المؤدي إلى النار. وسمي الثمن قليلا ، لأن كل عوض عن الحق ، فهو قليل في جنب تفويت سعادة الدنيا والآخرة : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة ٩ / ٣٨].
إن أولئك الكاتمين لكتاب الله ، المتجرين به ، البعيدين في الضلال لا يأكلون في بطونهم إلا ما يكون سببا لدخول النار ، وإعراض الله عنهم وغضبه الشديد عليهم ، وعدم تطهيرهم من دنس الذنوب بالمغفرة والصفح ، ولهم عذاب شديد الألم في الدنيا والآخرة ، خلافا لأهل الجنة الذين يثني الله عليهم ويغفر لهم ويرحمهم ويرضى عنهم ويقابلهم بالمحبة والرضا. فقوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ