وفي غيهم يسرحون ويمرحون ، وكفى انقطاع الهداية الإلهية لاستمرار الطبع فازدياده : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦١ : ٥) فطبعه ـ إذا ـ ترك هدايته!.
(وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) قبل أن يطبع الله فاستحقوا طبعا من الله ، وبعد أن طبع الله فازدادوا اتباعا لأهوائهم (١) ، فهم يعيشون انطباع قلوبهم ما هم يتبعون أهواءهم.
وكما اتّباع الأهواء يستهوي زيادة الطبع ، كذلك الاهتداء يتبع زيادة الهدى وأحرى :
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) هؤلاء الأكارم زادهم الله هدى بما زادهم اهتداءهم ، كما آتاهم تقواهم ، بما آتاهم اهتداءهم بزيادة هداهم فاهتداؤهم مادة للزيادة والله فاعلها ، حيث النور يجلب النور ، كما النار تجلب النار ، كما تقواهم مادة للزيادة والله مؤتيها.
ومن سنن الاهتداء والتقى التجاوب كما منها الزيادة لكلّ في نفسه ، فالهدى : العلم الايمان ، والتقوى : العمل الصالح ، انهما متجاوبان : كلما ازدادت الهدى زادت التقوى ، وكلما ازدادت التقوى زادت الهدى ، حتى يأتي دور التقوى في الاخرى إذ تبرز حقيقتها : «آتاهم» حقيقة «تقواهم».
فآيتا التقوى تشمل الأولى كحصيلة للهدى ، والأخرى كحقيقة للتقوى ، هي جزاءها بنفسها ، فإن تقوى الله عن هدى علمية ايمانية هي التي تملك العاقبة الحسنى : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (٢٠ : ١٣٢) دون الهدى الخاوية عن تقوى ، او التقوى الخالية عن هدى ، وانما صدفة عمياء ، او تقليد على الأعمى اللهم الا فضلا من ربك لو مات على هذه التقوى!.
__________________
(١) فالجملة ـ إذا ـ حالية بواو الحال : طبع الله على قلوبهم حال انهم اتبعوا أهواءهم.