(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ).
وهذا من انحس الكفر ، ان الذي تبين له الهدى يخالفها إلى الهوى ، لحد يكفر بها ، ويصد الناس عنها ، ويشاقق الرسول فيها ، ان يختار هو شقا يضاد شق الرسول : ثالوث الكفر العناد العتاد ، الذي لا فوقه كفر ، وهو يعم من أهل الكتاب من آمن ثم ارتد هكذا ، أم لم يؤمن من بعد ما تبين له الهدى ، وكذلك المشركين ، ولا سيما الذين آمنوا منهم ثم ارتدوا ، أم اسلموا نفاقا ثم برزوا كافرين ، كذلك والمسلمين ، ممن ولد مسلما وسواه ، ثم ارتد ، فصيغة الآية جامعة لمن ركز قواعد حياته الشريرة على هذا الثالوث الجامح به العناد العتاد ، وترى انهم ينفعهم أعمالهم شيئا ، أم هم يضرون الله شيئا؟ كلا : ف (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) إيحاء إلى استحالة زمنية وذاتية أن ينضرّ الله باضرارهم (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) (٣ : ١٤٤) (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) (٣ : ١٧٧) بل ولن يضروا المؤمنين ايضا إلا أذى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٣ : ١١١) (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) : شريرة في الصد والشقاق في الأولى ، فلا يؤثران في إطفاء نور الله ، أم وخيرة ـ لو صح التعبير عما يعملون من خير ـ في الاخرى ، فأعمالهم بالية خواء ، والله تعالى منهم براء.
وهنا يطمئن المؤمنون بنصر الله ، فلا يخافون ولا ألد الكفار مهما ثاروا في كفرهم وفاروا ، فهم أضأل وأضعف من أن يلحقوا ضررا بالله ، بل الله هو الذي يلحق بهم ضرر الإحباط ، مهما أبرقوا وأرعدوا ضد الدعوة والداعية ، آذوا الرسول والمؤمنين فترة من الزمن ، فالعاقبة للمتقين ، وحتى الاولى في نصرة رب العالمين : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ).