على النفوس المجاهدة الصابرة المثابرة ، بما تجاهد وتصبر وتصابر ، وعلامة الأخبار الأفعال ، فإنها علامات النفوس ، فيعرفها الكيّسون من حق القول وحق الفعل ، كما يعرف المنافقون من لحن القول ولحن الفعل ، وكما يناسب دار الابتلاء.
هذا : دون العلم عن الجهل وحاشاه ، فإنه هراء! ودون العلم الفعلي أم ماذا فإنه تكلف وتعسف وكلام الله منه براء لأنه بيان للناس وهدى ونور ، وهو حمال ذو وجوه ، فاحملوه على أحسن الوجوه : ف (حَتَّى نَعْلَمَ) : نجعل علامة ل (الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) ومنها أخباركم : الأعمال الجهادية الصابرة التي تخبر عن طيبة نفوسكم : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) : حتى نعلم .. وحتى نبلو اخباركم (١) ، فبلوى المؤمنين ذريعة لعلامة الإيمان ، ولبلوى أخبار الإيمان ، فلا تظهر أخبار الإيمان إلا في تقلب الأحوال ، وعند تقلب الأحوال تعرف جواهر الرجال ، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، فالابتلاء بالبأساء والضراء ، وبالسعة والنعماء ، وما إلى ذلك من كرب وبلاء ، إنها تكشف عما هو مخبوء في معادن النفوس ، مجهول لسائر النفوس ، بل ولأصحابها أيضا ، فإن حب الشيء يعمي ويصم ، ومن ثم تتكشف لها ما خفي عنها أنفسها وقبل أن تظهر أخبارها كما تتكشف لغيرها بعد أن تبلى أخبارها ، فكل بلوى تخلف علمين : علامتين ، واحدة سرا لذوات الصدور ، واخرى جهرا لسائر الناس : (حَتَّى نَعْلَمَ ... وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)!.
__________________
(١) ف «نبلو» مفتوحة بالعطف على المجاهدين ، فهما إذا مقصودان في «حَتَّى نَعْلَمَ» فالعلامة هنا منها خفية هي علامة الايمان في القلب ، ومنها ظاهرة هي علامة أخبار الجهاد والصبر ، فبلوى هذه الاخبار هي من «نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ ..» ولكي تظهر علامة الايمان الخفي ، بمن يعلم السر وأخفى.