وهل هنا وجه للجمع بين الفتحين ان تحملهما سورة الفتح كما يروى ، مع انها تحمل بشارة بفتح واحد (فَتْحاً مُبِيناً)؟
أقول : نعم ، انه صلح الحديبية كذريعة ، وهو فتح مكة كأصل ، فهما واحد كيانا رغم أنهما اثنان كونا ، فصيغة الماضي هنا نبأ بمضيّها لفتح مضى ، وبشارة بتحقيقها بفتح يستقبل ، فتحقق الوقوع في بشارة يجعلها كأمر مضى أو آكد وأقوى ، كما أن وقوعه أيضا أمر مضى ، وهنا أمران ماضيان : فتح مضى زمنا وكذريعة ، وفتح مضى كيانا وإمضاء في وعده تعالى ، فماض واحد هنا «فتحنا» يشير إلى اثنين ، ثانيهما رغم استقباله أعلى وأولى ، من أولاهما رغم مضيه فإنه كذريعة له أدنى.
وآيات من السورة نفسها تبين هذا التلاحم الوطيد بين الفتحين فتجعل فتح مكة ـ المستقبلة ـ إثابة للمبايعة تحت الشجرة : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) كذلك وصدقا لرؤياه وجعلا لفتح قريب : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً).
فالفتح القريب المستقبل مجعول عند الله في الماضي وممضى اثابة لمبايعة مرضية مضت ، مجعول ممضى لحد يعبر عنه ب «إنا فتحنا» كأنه أمر مضى ، لأنه ماض في الجعل والتقدير ، مهما كان مستقبلا ، ولأنه ماض ـ كذلك ـ في التحضير ، حيث الصلح فتح لهذا الفتح مجالا واسعا ما له من نظير.
لهذا يحق أن يكون صلح الحديبية فتحا إذ فتح سبيلا إلى فتح مكة ، ومبينا ، حيث أبان كونه فتحا عند ما فتح مكة ، ومن ثم الفتح المبين والمبان هو فتح مكة فتح الفتوح!.