وليس التطاول والتغالي في انهم يعلمون الغيب كله الا تماديا في الضلال ، وتغاضيا عما تصرح به هذه الآيات البينات ، وإذ لا يتبع الرسول الا ما يوحى اليه ، فأحرى بنا ان نتبع بشأنه ما اوحي اليه ، ولقد اوحي في عشرات من آياته البينات انه ـ مبدئيا ـ لا يعلم الغيب : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) : يعني من الغيب المستثنى الوحي الرسالي ولزاماته.
وكما انني لست بدعا من الرسل بينهم ، كذلك لست بدعا بين المرسل إليهم ، فأهل الكتاب الذين يتلونه حق تلاوته يعرفونني وكتابي ، فلو ان الادلة المسبقة لم توصلكم الى العلم اليقين ، فلا اقل من الشك انه من عند الله ثم يكمله شهادة شاهد منكم :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
ترى من هم المخاطبون في «أرأيتم .. وكفرتم .. واستكبرتم»؟ ومن هو الشاهد من بني إسرائيل؟ وما هو المشهود عليه «على مثله»؟.
علّ المخاطبين هم كافة الناكرين للرسالة الاسلامية ، من مشركين وكتابيين ، زمن الرسول وبعده إلى يوم الدين ، وان كان المنطلق الاول لهذا الخطاب كامثاله هم المعاصرين لصاحب الرسالة.
و (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) علّه جنس الشاهد ، من جنود الشهود الاسرائيليين ، من نبيين وسائر المؤمنين الشاهدين ، قبل الرسول وزمنه وإلى يوم الدين : مثلث الشهادة الصادقة الصارمة ، من زاويته الاصيلة : النبيين الإسرائيليين ، منذ موسى وحتى المسيح ومن بينهما (ع) إذ شهدوا في كتاباتهم «على مثله» : مثل القرآن ، كهذه الكتب أنفسها ، او مثل نبي القرآن كما يشهد به النبيون أنفسهم،