للجهاد عن أصحابها وان لم يكونوا محرجين ، وإنما المنفي هو الحرج أيا كان وفي أي كان.
ثم للحرج المنفي في الدين حدود لولاها لم يثبت حكمه :
١ ـ أن يكون ذاتيا ليس لصاحبه حيلة ولا سبيل في إزاحته ، ولا له دخل في حصوله ، فلو استطاع سلب الحرج الموجود ، لم يكن تكليفه بما يحرج حاله حرجا في الدين أو من الدين ، وإنما منه نفسه إذ لم يزله ، ولو أنه هو السبب لحالة الحرج باختياره فهو المحرج نفسه عنده لا الدين ، فتكليفه عندهما ليس حرجا في الدين حتى ينفى ، وإنما حرج منه فلا ينفى.
٢ ـ أن يكون واقعيا ، لا وهميّا ناشبا من التقاليد والعادات ، ناشئا من الهوسات والتجاهلات ، كحرمة أزواج الأدعياء ، التي كادت تحول دون تزوج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بزوجة دعيّه زيد بعد ما قضى منها وطرا ، فلقد كان هكذا زواج محرجا له حسب البيئة التي كانت تحرمه ، مخافة أن يخالفوه أو يكذبوه ، ولكن الله فرضه عليه رغم ما أحرجته البيئة : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٣ : ٣٨) لذلك فهو الذي زوجه زوجة دعيّه : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)(٣٧).
ينفي عنه حرج البيئة لكي ينفي عن المؤمنين كذلك ، وإنه نموذج هام ينبه حملة الدين ان لا حرج عليهم في تبليغ رسالات الله وتطبيقها ، فلا يختلقوا أعذارا وعناوين ثانوية في تحليل ما حرمه الله ، أو إهمال ما فرضه الله بحجة ان الناس ينقمون منهم أو يعترضون ، فيقلبوا أمر طاعة الله إلى طاعة الناس.
فدين الله لا مواربة فيه ولا أنصاف حلول ولا مسايرة ، إنما هو الحق الصراح