يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (٦ : ١٢٥) حيث التصعّد إلى السماء هو الصعود الصعب الذي يضيق النفس في الصدر ويخنق ، وذلك حينما تجاوز كرة الأكسيجين حيث تخنق.
هذا هو الحرج المنفي في الدين ، فما أراده الله (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (٥ : ٦) ولا جعله الله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٢٢ : ٧٨).
فالأعمى والأعرج وكل مريض يتحرج عن الجهاد يعفى عنهم في استنفار الجهاد (١) كما في سواه من تكاليف عامة أو خاصة ، اللهم إلا مرضا لا يحرج أو مريضا يكلف بأدنى من حرج ، كذلك والأعمى والأعرج إذا كلفا دون حرج.
والضابطة السارية في عامة التكاليف هي وجوب تطبيق أحكام الله ، في طاعة الله ورسوله قدر المستطاع ودون حرج ، دون أن ينقص المحرجين من أجورهم ، فلو أن جنديا مسلما جاهد دون طاقته وأقل من قدرته لم يطع الله تماما : ولو أن مسلما حرجا عن القتال تركه ناويا له لو استطاع أطاع الله تماما : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) : كل دون حرج وقدر الطاقات والإمكانيات.
فلو أن أعمى أو مريضا أو أعرج استطاعوا حضور الجبهة دون حرج كان عليهم لزاما ، أو أن سواهم لم يسطع حضورها لم يكن عليه لزاما ، فإنما هو مثال لأكثرية موارد الحرج : العمى والمرض والعرج ، دون حصر فيها ، ولا نفي
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٧٣ ـ أخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن ثابت (رض) قال : كنت اكتب لرسول الله (ص) واني لواضع القلم على اذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال : كيف بي وأنا ذاهب البصر فنزلت : ليس على الأعمى حرج ... قال : هذا في الجهاد ليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا.