وي! كأنهم لا يعلمون ان فيهم رسول الله ، الصادر عن الله لاعن آرائهم ، السائر إلى الله لا إلى أهوائهم ، ف (فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) لا : محمد بن عبد الله ، ولا رسول اللهو والهوى ، ولا بشر مثلكم في الجهل والخطا ، وانما (رَسُولَ اللهِ) صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يصدر الا عن الله ، ولا يدعو إلا إلى الله ، فمن المحال ان يطيعكم في كثير من الأمر ، ف (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) امر الشرع وحكمه «لعنتّم» أثمتم وهلكتم فعجزتم أنتم عن إمرار الحياة الراحة ، واستمرار الحياة السعيدة ، واخلدتم إلى حياة جهنمية فوضى ، فترى لو ان الرسول أطاع الوليد بن عقبة في فريته على الحارث البريء ، او أطاع زوجته عائشة في جريح القبطي البريء ، كم كان العنت الحاصل عن طوعهما هوى وجهلا (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ولكنه رسول الله لا يطيع في الأمر الا الله ، فانما النصح لكم بلسانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ..) لا له وهو النزيه عن اتباع هواه أو سواها ، الا وحيا يوحى ، فضلا عن أهوية سواها ولا سيما الفاسقين!
فلا ترغبوا في اتباعه صلّى الله عليه وآله وسلّم لكم ، ولا ترقبوا أن يتابعكم : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (٢٣ : ٧١) (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) (٤٢ : ١٥) اللهم الا في قليل من الأمر الذي لا بد ويوافق الحق ، حيث الكثير فقط في العادة هو الخاطئ لأنهم يتبعون الظن وما تهوى الأنفس : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٦ : ١١٦) ومن ثم القليل هو المصيب : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
فاعلموا انه الرسول ، جاء ليزيل عنكم وصمات العنت ، ويبعدكم عن خطوات الغلط ، فكيف يزيدكم عنتا على عنت وغلطا على غلط؟ : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٩ : ١٢٨).