مهما كانوا في ذلك درجات ، كما المتزعزعون دركات ، الذين لو شهدوا ب (رَبُّنَا اللهُ) فلا تتعدى شفاههم إلى عقولهم ، أو منها إلى قلوبهم ، أو منها إلى أعمالهم ، فلا ترى آثار هذه القولة الكريمة في حياتهم ، فشفاههم ـ إذا ـ جوفاء ، وقلوبهم مقلوبة خاوية هباء ، فقولتهم منافقة خواء ، والله تعالى منهم براء.
فالقائل (رَبُّنَا اللهُ) دون اعتقاد ، منافق في الله ، ثم قائلها دون استقامة رغم الاعتقاد أخف نفاقا ، فقد بلغ أدنى درجات الإيمان ، ثم قائلها مع استقامة في أية مرحلة ومدرجة أكمل ايمانا حسب الدرجات ، حتى يستوفي درجات الاستقامة كل الدرجات ، ويتعالى عن دركات الفشل واللااستقامة كل الدركات ، فهناك العصمة غير الكاملة حتى يعصم الله ، وهنا لك العصمة الكاملة لو عصم الله ، وهي أيضا درجات ، فالطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.
فالقائلون (رَبُّنَا اللهُ) المستقيمون في الله (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) لا بما يقولون ، فالقائلون كثيرون والعاملون قليلون ، فإنما القائلون العاملون أعمالا في قلوبهم ثم إعمالا لها في قوالبهم ، أعمالا قلبية وقالبية بمراتبهما : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٦ : ١٣٢) (.. وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٦ : ١١).
* * *
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ