إن مياه الأرض كلها من السماء ، استقبلتها حينما ذلت بعد شماس ، فاستعدت لقبول الحياة والأحياء : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (١٦ : ٦٥) (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (٢٣ : ١٨) وهذا الماء النازل من السماء مبارك ، وطهور : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٢٥ : ٤٨) مبارك تنبت به «جنات وحب الحصيد. والنخل باسقات : (إ) لها طلع نضيد : (أول ما يطلع منسقا بعضه على بعض) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا (فإنه حياة كل حي : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (٢١ : ٣٠) ـ كذلك الخروج»! فكما هناك خروج لأرزاقكم الميتة إلى الحياة ، كذلك هنا خروج للمرزوقين إلى الحياة ليوفّى لهم ما كتب لهم.
وكما نبات كل شيء ميت هو بالماء ، رزقا للعباد في حياتهم الدنيا ، كذلك خروج الموتى من أجداثهم أحياء ، بنفس القدرة والعلم والحكمة ، والخلق الثاني مثل الأول ، دون عيّ فيه بالخلق الأول ، ومشاهد إحياء الميتات النباتية رزقا للعباد تشهد ـ وأحرى ـ لإحياء الميتات الإنسانية رزقا لهم أنفسهم بما قدموا جزاء وفاقا ، أو عطاء حسابا.
أفمن يحيي هذه النباتات رزقا للعباد في حياة قصيرة هزيلة دنيا ، عاجز أو بخيل أن يحيي هؤلاء العباد ليرزقهم في حياة طويلة عليا ، كلا! وإنه أحق وأحرى.
فما الطفه وأعطفه دليلا نعيشه طول الحياة ، وما أغفله من يعيش الدليل ويتغافل عن المدلول ، وليس هؤلاء ـ فقط ـ هم المكذبون بالبعث والنشور ، بل و :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ. وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ. وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ).