موزون ، فإنها لا تكون إلا ببرودة الأرض ، وإلا فلا جبال ولا سواه إلا مذابا مايعا في الأرض الشّموس! وإذ لا جبال رواسي فلا ذلّ للأرض عن الشماس ، ومن ثم : بعد الذل بالجبال الرواسي يأتي دور تكوّن وظهور المياه عن الأبخرة ونزولها من السماء ، ولو لا الجبال التي تكنّ الثلوج فتذخر في أعراقها المياه ، لما سبل السبيل لإنبات النبات ، سبحان الخلاق العظيم!.
وعلّ (كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) يشمل كافة الأحياء الأرضية من نبات وحيوان وإنسان : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (٧١ : ١٧) بل وبهجة نبات الإنسان أبهج من نبات سائر النابتات والحيوان ، ولأنه لا تخصها :
(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) : بل وإنهما في الآيات الأنفسية أقرب وأحرى من الآفاقية ، فكل عبد منيب إلى ربه يتبصر بهذه الآيات ويتذكر ، كما المعرض عن ربه المنيب إلى هواه يتعامى عنها فيتعثر.
إنها ، لو أبصرت بها بصّرتك ، ولو أبصرت إليها أعمتك ، والمنيب هو الذي لا يبصر إليها وإنما يبصر بها ، يجعلها ذريعة يتذرع بها إلى الحق المرام ، دون المناهج (العلمية!) التي لا تنحو في مدها وجذرها إلا الحياة الحيوانية ، في معرفة زائفة زائغة عقيمة غير عميقة ، لا تتخطى النظر في الكون الى معرفة خالق الكون!.
هذا هو المنهج العلمي ، الماكن الساكن في أدمغة جامدة مطموسة رانت عليها أصالة المادة والحياة الحيوانية ، وأما المنهج الايماني الصحيح فهو يزيد الناهج معرفة بارتباطات الكائنات ، ثم ربطها كلها بخالق الكائنات ، فلا وقفة له عن الحراك ، ولا عثرة له في حراك ، فإنه دائب الكدح في هذه السبيل ، ذاهب إلى ربه فملاقيه : (أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٨٤ : ٦)!.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ)!.