وأما ذكرى الذي لا يخاف وهو عنيد ، فلا عليك إلا إتماما للحجة إيضاحا للمهجة ، ثم لا حجة ولا مهجة .. «فاصبر» واستعن لصبرك بتسبيح الحمد لربك ، فمهما جرحوا قلبك المنير ، وهرجوا خاطرك الخطير ، فطمئن قلبك بذكر الله العلي الكبير : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
ولا راحة عن التعب ، ولا ازاحة للنصب إلّا راحة ذكر الله ، وكما الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا غمه شيء استراح الى الصلاة ، وكان يقول : «وقرة عيني الصلاة»!
هنا تسبيح بالحمد ، وليس الحمد فقط ، فإن فيه شائبة التحديد والتشبيه ، ولا التسبيح فقط ، فعمّا ذا يسبح وينزه لو لا اثبات صفات؟! فليكن تسبيح بالحمد ، ان تحمده كما يليق بذاته ، فبحمده تسبحه ، كما بتسبيحه تحمده ، نفيا مع اثبات ، واثباتا مع نفي ، فإذ تحمده بعلمه فلتسبحه عن علم من سواه ، عالم لا كسواه ، بعلم لا كسواه ، كما في قدرته وحياته كصفات ثلاث للذات ، كذلك وسائر الأفعال والصفات.
ولأن الصلاة هي خير موضوع للتسبيح بحمد الرب ، وان لها كفريضة أوقات خصوص ، فلتكن الأوقات الثلاثة (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ) هي أوقاتها المفروضة لها وكما في آية اخرى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) (١١ : ١١٤) :
وعلّه بداية فرض الصلاة انها كانت ثلاث (١) ومن ثم الاشارة الى فرض الظهر في آية اخرى : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) (٢٠ : ١٣٠) فأطراف النهار تشمل الطرف الوسط «الظهر» كما تشمل طرفي قبل الطلوع
__________________
(١) الدر المنثور : اخرج الطبراني في الأوسط وابن عساكر عن جرير بن عبد الله عن النبي (ص) في قوله «وسبح ..» قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل الغروب صلاة العصر.