(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) : إحياء مرتان وإماتة مرتان : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٤٠ : ١١) : إحياء للحياة الدنيا ثم إماتة عنها ، فهو حي في البرزخ ، ثم إماتة أخرى هي عن الحياة البرزخية (١) ومن ثم إحياء للحياة الثالثة الأخرى ، فالبرزخية الوسطي لا تحتاج إلى إحياء ، فإنها تجرّد عن الحياة الدنيا فانتقال إلى الوسطى ، وعلّه هو السر في تقديم الإحياء (نُحْيِي وَنُمِيتُ) هنا ، فلو عنى الإحياء ـ فقط ـ في الأخرى لكانت الإماتة هي الأولى كما في اضرابها : (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) (٥٣ : ٤٤).
كما (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) هو المرحلة النهائية بعد اثنتين واثنتين ، بعد الإحياء للأخرى ، وكما تشهد لها آياتها الاخرى : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٦ : ٣٦).
وترى متى الإحياء مرة أخرى ومن ثم المصير؟ :
(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ)!
يوم تتشقق الأرض ـ الدافنة لهم ـ عنهم ، وتتكشف عن أجسادهم الرفات ، وعظامهم الذرات ، التي تاهت في سارب الأرض ، تتشقق عنهم حشرا لهم كما خلقوا أوّل مرة ، سراعا إلى الداع دون بطاء : «يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا» (٢٠ : ١٠٨) (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ. خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ. مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) (٥٤ : ٨) و «ذلك» البعيد البعيد في ميزانكم (حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) : غير عسير ، وكل خلق علينا يسير!
__________________
(١) فالإماتة الاولى تزهق الروح عن البدن الدنيوي ثم هي مستمرة في البدن البرزخي ، والاماتة الثانية تزهقها عن البرزخي ايضا وتصعقها في نفسها كذلك ، فالإحياء للأخرى إحياء تام عن الصعقة الى الحياة الخالدة الاخرى.