كائنة في سائر كائنات العالم ملائكية وبشرية ام ماذا؟ صادرة عن الله وبأمره دون فسق ولا نشوز ... فلا تختص الذاريات ـ إذا ـ بالرياح ، طالما ورد تفسيرها بها عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وعن باب مدينة علمه ، تفسيرا بأظهر مصاديقها ، دون المفهوم الواسع الذي تسعه اللفظة ، مهما لم تسعه افهام الناس الا الخواص ، وعلّه هو السبب فيما فعله الخليفة عمر من تهديد وتنديد بمن سأله عن تفسيرها (١) ولكن ترى هل يستحق المستفسر عن معاني آي من الذكر الحكيم هكذا إهانة ومهانة؟ بل الترغيب والتبجيل! وكما فعله الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرويه عنه عمر نفسه من تفسير الذاريات (٢)!
__________________
(١) عن السائب بن يزيد قال : أتي عمر بن الخطاب فقيل يا أمير المؤمنين! : «انا لقينا رجلا يسأل عن تأويل شكل القرآن فقال عمر : اللهم مكني منه ، فبينما عمر ذات يوم جالسا يغدي الناس إذ جاء الرجل وعليه ثياب وعمامة صفدي حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين! (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً) فقال عمر : أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، البسوه ثيابا واحملوه على قتب وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده ثم ليقم خطيب ثم يقول : ان صبيغا ابتغى العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيد قومه».
تجده في : سنن الدارمي ١ : ٥٤ ـ ٥٥ ـ تاريخ ابن عساكر ٦ : ٣٨٤ ـ سيرة عمر لابن الجوزي ١٠٩ ـ تفسير ابن كثير ٤ : ٢٣٢ ـ إتقان السيوطي ٢ : ٥ ـ كنز العمال ١ : ٢٣٨ نقلا عن الدارمي ونصر المقدسي والاصبهاني وابن الانباري والالكائي وابن عساكر ـ فتح الباري ٨ : ١٧ ـ الفتوحات الاسلامية ٢ : ٤٤٥.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١١١ ـ اخرج البزاز والدار قطني في الافراد وابن مردويه وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : جاء صبيغ التميمي الى عمر بن الخطاب فقال : اخبرني عن (الذَّارِياتِ ذَرْواً) قال : هي الرياح ، ولو لا اني سمعت رسول الله (ص) يقوله ما قلته ، قال : فاخبرني عن (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) قال : هي السحاب ولو لا اني (يكرر روايته عنه ص) قال : فاخبرني عن الجاريات يسرا قال هي السفن ولو لا اني ... قال عن المقسمات أمرا قال هن الملائكة ولو لا أني .. ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت فلما برأ دعاه فضرب مائة أخرى وحمله على قتب وكتب الى أبي موسى الأشعري امنع الناس من مجالسته فلم يزالوا كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا فكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر ما إخاله الا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس.
(الفرقان ـ م ٢٠)