الكذب الذي يثبت عليه صاحبه ، ثم أحسن القول هو الصدق الواحد غير المتفاوت مع بعضه ومع واقع العقيدة وواقع الكون.
(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) في الله ، ومختلف في رسالات الله ، ومختلف في كتابات وحي الله وأخيرا في القرآن : إنه سحر أو كهانة أو شعر أو عبارات جنونية أو سحر يؤثر ، فإذا كان سحرا فكيف يؤثر؟ ومن آثار السحر أنه لا يؤثر وإنما يفنى ويدثر! فقد تراهم ـ على طول الخط ـ في أمر مريج : (قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) :
(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) : والإفك هو الصرف عن وجه الحق ، ويقال للرياح العادلة من المهابّ مؤتفكة ، إذا فالمؤفك عنه ليس إلّا الحق ، وإليه يرجع ضمير الغائب «عنه» لا إلى قول مختلف ، فالصرف عن هكذا قول ليس إفكا ، وإنما يرجع إلى حق مختلف فيه ومختلف عنه : حق التوحيد والرسالة والمعاد والقرآن (عَمَّ يَتَساءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ. الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (٧٨ : ٣).
وقد يحتمل رجوعه إلى قول مختلف بتجريد الإفك عن الكذب أن يعني مطلق الصرف وإن كان عن الباطل ، يصرف عنه من صرف ، بتفكيره وبتأييد الله ، أو يقال أنه يشمل إفك الحق وإفك الباطل وعلّه أوجه وإن كان إفك الباطل أظهر وأنسب لغويا.
(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) أنتم فيه ومختلف هو فيكم ، ومختلف هو عن الحق : (يُؤْفَكُ عَنْهُ) عن الحق «من أفك» عنه ، فالوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ، يأفك النسناس عن سيرة الناس ، عن الحق الذي فطرهم عليه إله الناس ، وعمّا سن لهم بما شرعه وأنزل على الرسل ، حراسا لهم ومتراسا عن الإفك ووسواسه ، ونبراسا ينير لهم الدرب إلى صراط مستقيم.
إن الوسواس لا يستطيع أن يأفك عن الحق إلّا من أفك في نفسه ، دون العباد الصالحين (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) فما لم يكن الإنسان في نفسه شيطانا أو مائلا إلى شيطان ، فلا سبيل لسائر