الشياطين أن يأفكوه عن الحق ويصرفوه عن وجهه ، وإنما (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) :
(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) والخرص أصله من خرص الثمار وهو تقديرها دون وزن ولا عدّ ، فهو الحدس والتخمين ، دون سناد إلى برهان متين ، فلا يعدو الوهم والظن (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (١٠ : ٦٦) (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٤٣ : ٢٠) والخرص فاتك وقاتل أيا كان ، وإن اتفق وفقه للواقع أحيانا ، والعلم هو المسنود إلى برهان حق وإن خالف الواقع أحيانا.
(الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) : أصل الغمر إزالة أثر الشيء ، ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله : غمر وغامر ، فالغمرة هنا مثل للجهالة والانحلال عن العقل والفطرة الإنسانية ، إذ زالت آثارها ، فأصبح صاحبها مغمورا في السهو ، دونما يقين أو تصميم فهو ـ إذا ـ كتفسير لنتاج التخريص :
إنهم غارقون في غمرة الأضاليل والأباطيل ، لا يشعرون بشيء مما حولهم ولا يستشعرون ، وهي حياة الحيوان المجنون مهما كان في قالب الإنسان ، فقد قتلت إنسانيته إذ فقد حكم العقل والفطرة وهما حياة الإنسان كإنسان.
ف (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) إخبار بحساب الله أنهم مقتولون بما قتلوا عقولهم ، مهما كان دعاء بحساب الخلق ـ دون الله فإنه لا يدعو ـ إذ يحق لهم الدعاء عليهم بالقتل ، أن يزيدهم الله عمى ويذرهم في طغيانهم يعمهون ، ثم ويقتلهم في أجسادهم كذلك لإراحة المجتمع الإنساني من خرصهم وغمرتهم في سهوهم ، وأما الله فممّ يدعو ويلتمس أن يقتل الخراصين؟.
والخراصون : المبالغون في خرصهم ، حياتهم غمرات السهو والخطأ ، لا يصدرون عن مصدر العقل والشعور ، وإنما هم فوضى في حركاتهم وتصرفاتهم وأحكامهم ، وإذ يسألون عن حقيقة ، فليس للتحري عنها ، وإنما للتجري عليها والاستهزاء منها ، كما :
(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) ترى لو أجيبوا عن أيّانه وزمانه هل كانوا