يؤمنون به وهم كافرون بأصله؟ كلّا! ثم ولا صلة بمعرفة الزمان لإثبات ما يحصل في الزمان! إذا فسؤالهم هذا تعنّت واستهزاء وهراء.
ولأنهم كانوا على علم من عدم التعيين ليوم الدين ، يسألون عن زمنه تعجيزا ، ولكي يستدلوا بجهله على بطلانه في أصله ، وترى ما هي الصلة بين الأمرين؟ فلو علمت انني كائن ولم تعلم متى كوّنت ، هل لك أن ترتاب في أنني الآن كائن؟.
إذا فكهذا سئوال متعنت هراء جاهل لا جواب عنه إلا الإرجاع إلى العقل وحجج المعاد المسبقة ، وإلا ـ أخيرا ـ الإخبار بما يحصل لهم يوم الدين من فتنة النار كما هم الآن يفتنون :
(يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) وكما كانوا يوم الدنيا على نار الشهوات يفتنون : وهذا إعراض عن جوابهم ، وإخبار للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بما يفتنون فيما فتنوا ، وأصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودتها من رداءتها ، وإدخال خليطها إياها لتخلص عن خلطها ، وإدخال ما تتظاهر بكونها ذهبا النار لتحرق وتفضح : فتنة خير وفتنة شر (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٢١ : ٣٥) ففتنة الأولياء لظهور وازدياد الولاء بالمحن : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٣٨ : ٣٤) على درجاتهم في فتنتهم الخيرة ، وفتنة الكفار لازدياد الشر والبوار ولكي يعرفوا هم أنهم أهل النار ، ففتنتهم على النار هي حرقهم عن آخرهم تدليلا على أن ليس في ذواتهم وصفاتهم ذهب ، إلا كل عطب ونكب ، وإلا حصبا لا يستحق إلا الحرق : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) والكافر كله خبث وحطب فليحرق كله ، وإن كانت فتنة الكفار دركات ، كما أن فتنة المؤمنين درجات.
وإضافة إلى حرقهم في فتنة النار ، يسمعون من الجبار في هذا الموقف العصيب ، نارا على نار :
(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) علاجا لتساؤلهم المتعنت الهراء ، وهو من قتلهم الذي أخبر الله به مسبقا : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ. يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ