أسباب الأرض بأسباب السماء ، دون أن يثّاقل الى الأرض أو يخلد إليها منقطعا عن أسباب السماء ، ولا أن ينقطع إلى أسباب السماء ويهمل أسباب الأرض ، سواء في ذلك سماء الأرزاق المادية ، أو المعنوية السامية ، متسببا بها الى خالق الأرض والسماء ، متطلعا إلى الرزق المقسوم والحظ المرسوم ، فليكدح في الأرض ويعمل متطلعا الى السماء ، وبذلك ينطلق قلبه من إسار أسباب الأرض ، ويرفّ بأجنحته الى ملكوت السماء ، فعيش موصولا قلبه بالسماء ، وقالبه على الأرض ، وهذا هو الإيقان المنوّه في تلكم الآيات و «إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله ، ولا تحمدن أحدا على ما آتاك الله ، ولا تذمن أحدا على ما لم يأتك الله ، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كره كاره» (١) ف «اطلبوا الرزق فانه مضمون لطالبه» (٢) فالرزق داخل في القضاء الإلهي دخولا أوليا ذاتيا ، لا هامشيا ، فإن المخلوق أيا كان لا بد وأنه مرزوق لضرورة بقاء الحياة ، والرزق أيا كان ـ وهو ما يمد شيئا آخر ـ لا بد له من رازق ومرزوق ، معنويا كان أو ماديا : هواء أو ماء أو غذاء ، زوجا أو لباسا أو مكانا ، أو أيا كان ، مما يمد الحياة وتمتد به الحياة ، وإن كانت لها درجات ، حسب المساعي والتقديرات. ثم الربوبية الظاهرة في هذه الثلاث بآياتها ، الزاهرة على علّاتها ، إنها برهنة بيّنة ملموسة أنها حق مثل ما أنكم تنطقون :
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) : ان ربوبية رب السماء والأرض ، وربكم أنتم ، تبرهن على «إنه» : الوعد والدين ، بما تدل عليهما من آيات الأرض والأنفس «إنه لحق» لا مرية فيه (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).
فكما أن كونكم تنطقون ، هو حقيقة ، دون مرية ولا جدال ، كذلك
__________________
(١) نور الثقلين عن ارشاد المفيد عن علي (ع).
(٢) المصدر عن توحيد الصدوق عن علي (ع) عن النبي (ص) انه قال : يا علي! ...