وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ. قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيد) (١١ : ٧٣).
ان دور ابراهيم في هذه البشارة كان استبشارا حمله على استفسار بشأنه خاصة (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) دون زوجه العجوز العقيم ، ولم يكن سؤاله (أَبَشَّرْتُمُونِي) إنكارا لقدرة الله ، قنوطا من رحمة الله ، إذ حكم هو بضلال القانطين ، وانما استعظاما للبشارة ، وهل إنها حقا من الله؟ وهؤلاء هم رسل الله؟ فلمّا (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) اطمأن قائلا (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).
واما زوجه فقد استغربت هذه البشارة وتعجبت منها في مثلث الاستبعاد : (عجوز ١ عقيم ٢ .. وهذا ٣ بعلي شيخا)؟ قالته لما سمعت البشارة : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) : في صياح شديد (فَصَكَّتْ وَجْهَها) : لطمت وجهها (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)؟ فانها بغتت وفوجئت بهذه البشارة وفندّت منها صيحة الدهشة ، وصكت وجهها صكة الوحشة ، إذ لم تكن تتوقع هكذا بشارة!.
(قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) بما يحكم «العليم» بما يريد (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) ولقد نفذت رحمة الله الخاصة هنا في ثالوث الاستحالة بحساب الإنسان ، فلم يمنع عقمها المزدوج : (عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ولا شيخوخة بعلها الخليل عن نفاذ امر الجليل.
هذه البشارة كانت بحق اسحق وفي مثلث الاستغراب ، واما التي كانت بحق إسماعيل قبل إسحاق فلم تحمل خارقة للعادة ، إذ لم تكن زوجه لا عجوزا ولا عقيما ، ولا هو شيخا لحد الإياس ، ولذلك نراه يبتدء هو بالطلب : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ..) (٣٧ : ١٠١).
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) توحي هذه المقالة أن ابراهيم لم يعدّ بشارته