القاطع القويم ، وآياته الخارقة الحسية بعصاه التي تبدلت الثعبان العظيم ، وسواهما من آيات ، ترى ما كان دور فرعون الطاغية أمام هذا السلطان المبين ، الذي ابان الحق بكافة جلواته؟.
(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) : تولى عن الحجة والسلطان المبين ، والرسول الأمين ، ترى بأي سناد؟ بسناد ركنه ، وهو جانب الشيء الذي يسكن اليه ويعتمد عليه ، من عقله الغارب وعقلاء حزبه! ولم تكن حجتهم إلا فريتهم انه (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) اعتذار كل عاجز مرتكس العقل ، منتكس القلب ، لا حجة لهم إلا الخناء والفرية ، وإلا الضرب بالقوة إذ لا يفهمون لغة الإنسان.
إنه تولى بركنه بنفسه وحزبه الذي يركن إليهم ، لا إعراضا عن حجة الحق فحسب ، بل وملاحقة لأصحاب الحجة أيضا قتلا وتدميرا أو تسفيرا ، حتى جاء أمر الله وخسر هنالك المبطلون : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (٤٤ : ٢٤) :
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) نفسه : إذ ألام نفسه حين أدركه الغرق : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فهذه الامة نفسه ، ثم يلومه ربه (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (١٠ : ٩١) فالمليم هو الآتي بما يلام عليه ، فمن قبل لامه ربه بما طغى ، وهنا هو يلوم نفسه إذ يتوب ، ثم يلومه ربه أنها لا تنفعه عند رؤية البأس ، وهذا مثلث اللوم ابتلي به فرعون المليم! ثم نرى الآية الباقية هنا للذين يخافون العذاب الأليم ، أنها جسد فرعون الباقي حتى الآن : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ (١) لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ)