هي فيكفيها بعدان ، وهما أقل تقدير للكيان المادي ، بعدان فيزيائيان ، أم هندسيان! وقد يعنيهما الامام علي عليه السلام في قوله : (.. دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها وذلك قوله عز وجل : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ففرق بينها وبين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ..) (١). والإمام الرضا (ع) في قوله : «فرق الله بالأشياء بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد» ، إذ يفسران الزوجين بقبل وبعد : بعد ان هما لزام المادة في كيانها الذاتي الأولي ، سواء أكانا زمنيين ، فلكل كائن قبل ـ إذ لم يكن ـ وبعد فسوف لا يكون ، والله تعالى قبل القبل أزليا وبعد البعد أبديا ، أو كانا ماهويين داخل الذات وهما البعدان فيزيائيا ، أم هندسيا ، بعدان مكانيان قبل وبعد ، والله تعالى خارج عن المكان وعن الأبعاد أيا كان.
وأخيرا ما هي الصلة بين الزوجين هذين وبين تذكر الألوهية وراءهما والفرار إلى الله منهما؟.
أقول : إنه تذكر للغافلين عن الحيطة الربوبية بالأشياء ، إن الفقر والحاجة مندغمان في أصول كيان المادة ، ولنأخذ المادة الأم ـ وهي أغنى المواد وأولادها ـ مثالا لهذه الذكرى.
هذان الزوجان كما عرفناهما ، كل منهما ليس في ذاته إلا (لا) لا يملك كونا ولا كيانا فضلا عن تكوين زميله ، وكل منهما متوقف في كونه على الآخر كالعكس ، لا توقف المعلول على علته ، إذ لا تتصور العلية لما ليس له نصيب من الوجود ، ولا المعلولية لما لا يمكن أن يوجد مستقلا عن زوج ، إذا فكل منهما بحاجة إلى زميله في إمكانية إفاضة الوجود عليه ، فلا تجد هنا وهناك إلا فقرا ،
__________________
(١) التوحيد للصدوق باسناده عن الامام الصادق (ع) قال : بينا امير المؤمنين يخطب على منبر الكوفة إذ قام رجل ... فقال : يا امير المؤمنين! هل رأيت ربك؟ فقال ... وهي خطية توحيدية عظيمة .. (راجع كتابنا «حوار» في شرح الخطبة).