بذواتهم الشريرة يوقدون نارا : «اصلوها» فما الصلي إلا الإيقاد ، فلا وقود لها إلا أنفسهم: (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٢١ : ٩٨) فالكافر وهو في الدنيا يخلق وقود النار بما يحتمل ، ومهما كان غافلا عنه فسوف ينتبه : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢)!.
إلى هنا سمعنا إلى سيرة أهل النار ، وعرفنا مصيرتهم ، تقدموا على المتقين ، لتقدم الطغوى على التقوى من حيث الدافع فالواقع ، ثم نسمع ما للمتقين :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) كما كانوا يوم الدنيا في جنات العقائد والأعمال ، فهم كذلك يوم الدين في جنات ونعيم ، انما يجزون ما كانوا يعملون عدلا وإحسانا ، مهما كان جزاء الفاسقين عدلا وليس إحسانا.
(فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) : نعمتان اثنتان ، ايجابية : «فاكهين» من الفكاهة : حديث ذوي الانس : مستأنسين (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) وسلبية : (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) بما اتقوها بتقواهم.
وينضاف إلى نعمتيهم هاتين كل تبجيل وتجليل ، وتهنئة وتكريم :
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فالتنعم الناتج عن العمل مهنئ بالذات ، وقد أضيف إليه أمر المضيف فازداد رحمة على رحمة.
وفيما إذا سئلنا : ما هو الفرق بين جزاء الكافر والمؤمن ـ ان جزاء المؤمن (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لا نفس العمل ، وجزاء الكافر (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
فالجواب : ان المؤمن كذلك يجزي نفس عمله الصالح ، ولكنه بزيادة عما عمل وبفضل الله وإحسانه ، فليس جزائه إذن قد عمله ، ولكن الكافر لا يجزى إلا قدر ما عمل : وهذا عدل من الله هنا ، فضل منه هناك.
(مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) هذه النعم الثلاث مزودة برابعة هي اتكاؤهم على سرر مصفوفة : منسّقة هي فمنسّقة جموعا من أهل الجنة ، متمتعين بلذة