(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا. هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ)
يدعون إليها كما كانوا يدعونها ويكذبونها بخوضهم ولعبهم ، فليخوضوها دعا : دفعا ـ ولتتلاعب بهم نارها ، إذ دفعوا الى ما كذبوا فالدع هو الدفع الشديد : ان تغل أيديهم الى أعناقهم ، وتجمع نواصيهم الى اقدامهم ، ثم يدفعون الى جهنم دفعا على وجوههم صما وعميانا ، وكما توحيه آيات متجاوبة بهذا الصدد.
ولقد كانوا يتقولون على القرآن أنه سحر ، وعلى رسول القرآن أنه ساحر أو مجنون ، فحين إذ يدخلون النار يسألون هزء :
(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) فقد كنتم تقولون عن القرآن : إنه سحر! فهل هذه النار التي تحرقكم كذلك سحر؟ أم هي حق ملموس منه تصرخون ، كما كان القرآن حقا ، ولكنكم كنتم لا تبصرون. فقد كنتم تقولون : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥ : ١٥) فهل سكرت عن النار المخبر عنها أيضا كما سكرت عن الخبر ، فذوقوا فتنتكم ، هذه النار التي كنتم بها تكذبون!.
توحي الآية أن حجة القرآن باهرة للبصائر كأنها مبصرة ، فإذا نكروها وسخرا منها فلتمسهم النار : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ) (٤٦ : ٣٤).
ولو أن صبروا على حرها ناظرين إلى رحمة الله أن يخفّف عنهم أو يخرجهم فهل ينفعهم صبرهم فيأملون؟ كلا! :
(اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) دون ما أنتم تأملون! فالعذاب واقع لا محالة ، ما له من دافع بأية حالة ، فالصبر وعدمه سواء ، فإنه الجزاء العدل (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ليس من الله هناك شيء انتقاما أو سواه ، وإنما الجزاء النار صورة حقيقية عما عملته الكفار ، فالخوض في آيات الله دعّا لها ، حقيقته الخوض في النار دعا إليها ، فهم