رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٧٠ : ٢٧) وإشفاقا في رحمة الله وإشفاقا باهليهم ، إذ كانوا يراعونهم ويحافظون عليهم بشفقة ، فقد كانوا غرقى في مثلث الإشفاق : من الله ، وفي الله ، وباهليهم وهم فيهم!.
وإذا كان هذا الإشفاق في كافة الحالات وكما تقتضيه «كنا» الدالة على دوام كما ويشكرهم الله على هذا الدوام : «وكانوا مني على كل حال مشفقين» (١) في الخلوات والجلوات ، بين الاغارب والأهلين ، كان ـ إذا ـ كاملا للمشفق ، ومكملا لمن فيهم يشفق وبهم ، إذ عاشوا كذلك وفي أهليهم ، حيث الأمان الخادع ولكنهم لم ينخدعوا ، وحيث المشغلة الملهية ، ولكنهم لم يلتهوا وينشغلوا ، وهم بذلك الصمود في صبغة الايمان أحالوا حول أهليهم بهالة مشرقة من الايمان ، وحالوا بينهم وبين اللاإيمان ، فان حالة الرعاة تؤثر في الرعية على أية حال ، وبذلك فذريتهم اتبعتهم بإيمان ، فحق لهم ان يلحق بهم ذريتهم دون ان يؤلت من اعمالهم من شيء ، ف (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ).
والزاوية الثالثة لمثلث الايمان ، انهم لم يكتفوا باشفاقهم في أهلهم «بل وكانوا يدعون الله ويلتمسون من بره ورحمته» : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) والدعاء مخ العبادة.
فلم يفدهم إلا ما قدموه من قبل ـ «كنا قبل» (كُنَّا مِنْ قَبْلُ) ـ ، واما بعد فوات الأوان بوفاة الإنسان فلا موقع لايمان ، ولات حين مناص ، إذ فات أوان الخلاص.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ١٤٢ في كتاب سعد السعود لابن طاووس نقلا عن مختصر كتاب محمد ابن العباس بن مروان باسناده الى جعفر بن محمد (ع) عن أبيه عن آبائه عن امير المؤمنين (ع) عن النبي (ص) في حديث طويل يذكر فيه شيعة علي (ع) ودخولهم في الجنة ـ الى قوله (ص) عن الله ـ «فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي في اهل بيت نبيي ورعوا حقي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين».
(الفرقان ـ م ٢٤)