هنا تلاعب ، زيادة في الإيناس ولذة النعيم (١) ثم ويزيدهم لذة تطواف غلمان لهم ، قد يكونون من ذريتهم القصر الملحقين بهم ، ام سواهم المختصين لهم في الظرافة والصفاوة (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) : محفوظ ، فكما اللؤلؤ المكنون في كنه الصدفي او الذهبي والفضي ام سواها ، باق على نظافته وطراوته ، كذلك هؤلاء الغلمان ، فهم على ما خلقهم الله في أكنان تصونهم عن اي عيب او ظنة ، .. ترى إذا كان الغلمان الخدم كاللؤلؤ المكنون فكيف بالمخدوم؟ هنا يجيب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : «والذي نفسي بيده ان فضل ما بينهما كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم (٢).
ولكي يتصارحوا ونسمعهم بوحي القرآن ، لماذا ألحقت بهم ذريتهم وغلمان لهم؟ واستكمالا لأنفسهم بأهلهم :
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ، قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ. فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) يوحي الجواب ان اتساءل لا يخص اسباب دخولهم الجنة ، بل ولحوق ذريتهم بهم وهم يعملوا عملهم ، فهؤلاء المؤمنون الأصول كانوا في مثلث من دوافع هكذا رحمة : «.. كنا .. مشفقين» و «في أهلنا» و «كنا ... ندعوه» وهذه هي جذور الايمان.
فالإشفاق من الشفق : اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند الغروب ، فهو عناية مختلطة بخوف ، طالما المعدى منه بمن اظهر في الخوف ، وبفي اظهر في العناية ، وبالباء خاص بالشفقة.
إلا أن «مشفقين» هنا لم يعد بشيء فهو يوحي بحالة لهم بين الخوف والرجاء ، خوفا من أعمالهم ، ورجاء بآمالهم في رحمة الله ، إشفاقا من الله (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٢٣ : ٥٧) من عذاب الله : (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ
__________________
(١) راجع ج ٣٠ الفرقان ص ٢٢٦ «بين خمر الدنيا والآخرة».
(٢) الدر المنثور ٦ : ١١٩ ـ أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : بلغني انه قيل يا رسول الله (ص) هذا الخدم مثل اللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟ قال : ...