(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) ـ : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١١ : ١٣) أو (بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (١٠ : ٣٨) وأقلها ثلاث آيات كالكوثر ، فكيف بالقرآن كله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١٧ : ٨٨).
(لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) ، لا صدفة أو لعدم المحاولة ، وانما الاستحالة (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢ : ٢٤).
ان في القرآن سرا إلهيا يدركه كل من يواجه نصوصه بصفاء ورواع ، متحللا عن سلطان التعصب ، ثم يزيده مهما زاد تعمقه وتأنقه ، ميزة في سبك الألفاظ وسكب العبارات وحتى في موسيقاها ، فضلا عن معانيها وملامحها التي تأخذ من القلوب شغافها ، ومن الألباب أعماقها ، ومن الحواس ألبابها. وهو يخاطب العقول والفطر بأسلوب لا يعهد بين البشر (١) :
فلو كان هذا القرآن من مفتر شاعر كاهن مجنون فأتوا أنتم العقلاء وفيكم الشعراء البلغاء ، والكهنة الأذكياء ، والأدباء الأقوياء فأتوا بمثله ولماذا لا تأتون! وإذ أنتم عاجزون صاغرون ، فلما ذا لا تؤمنون؟ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ١٨٥) (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٦٨ : ٤٤).
ومن ثم لم يبق مناص الا الإيمان به ، أو تكذيبه ككلام الله ، فالتكذيب بالله ، أو نكران توحيد الله أو وجوده ، وإذا كان هذا دائكم فإليكم دوائكم :
__________________
(١) راجع بحث الاعجاز في سورة البقرة تجد فيها قولا فصلا عن اعجاز القرآن ، وكذلك سورة الاسراء.