ولأن هذا الدنو وهذا التدلي ثم ذلك الوحي ، هذا المثلث النوراني المعرفي كان من عمل الفؤاد ، من رؤية البصيرة لا البصر ، وقد كان محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم حينه في مثلث الرؤية النورانية المعرفية لربه ، وهذا ما لا يسع فهمه العالمون فكيف بالجاهلين ، لذلك كذبوه فصدقه الله تعالى في رؤية الدنو والتدلي والوحي :
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)
فلو لا أن الدنو فالتدلي والوحي هنا لك ، لو لا أنها رؤية الفؤاد والبصيرة ، لا رؤية البصر ، لم يكن لهذا الاستدراك من معنى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ومهما رأى ببصره أيضا (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) فلقد زوّد برؤية البصر لآيات الله ، وبرؤية البصيرة لله.!
فإن ذلك التدلي ووحيه لزامهما الرؤية المعرفية القمة ، مهما كانت هناك رؤية أخرى حين النزلة عن الأولى ، عنده سدرة المنتهى ، أو كان في هذه الأخرى وحي آخر علّه أدنى من الأول ، أم ماذا؟ ..
ولماذا الفؤاد هنا في موقف أعلى مدارج المعرفة ، لا القلب ، أو الصدر ، أو الروح ، فما هو الفؤاد؟.
الفؤاد هو القلب المتفئد : المتوقد ، وهو وسط القلب ولبّه ، ولأنه صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى ربه في مقام التدلّي : بقلب متوقد بوقود المعرفة ، ملتهب بلهيب الشوق والايمان ، وبلبابه ، لذلك يذكر هنا الفؤاد ، انه ما كذب ما رآه ، فمهما أخطأ البصر في مبصره ، أو بصيرة الاحساس والفهم والعقل والصدر والقلب في مبصراتها المناسبة لها ، ولكنما اللباب من القلب الملتهب المحمدي ، الهائم الشغف في الوصال ، إنه لا يكذب ، فهذه الرؤية لا تقبل المماراة والمحاجة :
(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) هل لكم أن تحاجوه فيما يرى ببصره؟ فكذلك