فقد «على فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربه قاب قوسين أو أدنى» (١).
هذا ، ولكنما الأعلى هذا قد لا يتطلب وحيا ورؤية أعلى ، فإنها معرفية وفي المكانة ، لا لشرف المكان فقط ، أو أن تلقّي الوحي وإدراك الرؤية ، إنما كان عند النزلة ، إذ إنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل النزلة كان في واقع الرؤية ولمّا يدركها ، لأنه انمحى عن كونه وكيانه بما تدلى في مقام أو أدنى ، ثم عند النزلة رأى الرؤية ، وتلقى الوحي أم أوحي إليه فيهما ، وكما أوحي في سائر السماوات (٢).
ثم ما هي سدرة المنتهى؟ هل هي فقط المكان الأعلى فوق السماء السابعة العليا؟ فبمجرد أنه مكان لماذا لم يسمح لجبرئيل ولا لأحد ممن سوى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يدنو منها! فلا بد أن تكون مكانة عليا ، وإن كانت في مكان أعلى فإن عندها جنة المأوى ، فلن تصل أهل الجنة إليها مكانا ولا مكانة.
ولأن الرؤية المعرفية لاحت عندها ، وليس لهذه الرؤية مكان ، فلتكن مكانة فيها تتكشف الحجب ، فيتحقق مقام «دنى فتدلى» لكي يوحي إلى عبده ما أوحى!.
نجد هنا تجاوبا تاما بين ما يتطلب موقف السدرة ، وما تعنيه لغة السدرة.
فالسدرة واحدة السدر ، او هيئة خاصة منه ، من سدر البصر : لم يكد يبصر ، والبعير تحير من شدة الحر ، والسادر المتحير ، والسدر : اسدرار البصر وتحيره ، وكل هذه تجمعها صيغة واحدة : الستر والظل ، سميت بها شجرة السدر
__________________
ـ سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها : اني انا الله لا إله إلا أنا وحدي ، محمد صفوتي من خلقي ، أيدته بوزيره ونصرته بوزيره ، فقلت لجبرئيل : من وزيري؟ فقال : علي بن أبي طالب () فلما جاوزت السدرة انتهيت الى عرش رب العالمين جل جلاله.
(١) الاحتجاج للطبرسي حديث طويل عن الامام زين العابدين علي بن الحسين (ع): أنا ابن من على ..
(٢) كما يدل عليه الحديث رقم (١) «ومنها الى حجب النور وخاطبه وناجاه هناك».