فأهل الدنيا ، الراكنون إليها ، المطمئنون بها ، المريدون لها ، الواقفون عندها ، ليس لهم بالنسبة للأخرى وحقائقها ، وللحق عامة ، إلّا ظنونا جاهلة هاوية ، مهما كانوا علماء في علوم الدنيا ، بشهواتها ولهواتها ، فلا يليق لك منهم ، إلّا الإعراض عنهم ، بعد ما تولّوا عن ذكر الله ، عن كتاب الله وسائر حجج الله ، التي تذكرهم الله.
إن أصحاب المذاهب المادية ، والمآرب الحيوانية ، لا سبيل فيهم إلّا الإعراض عنهم ، حيث لا يفهمون لغة الإنسان (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
والإعراض هنا على سبيل صيانة الاهتمام أن يبذل في غير محلّه ، وعلى سبيل التهوين والاحتقار لمن هذا مبلغ علمه ومنتهى عقله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى).
* * *
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ
__________________
ـ بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ، وقونا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثارنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا».