(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ).
كذبوا بآية الإنشقاق وسواها ، واتبعوا في نكيرهم المتواصل أهواءهم ، إذ سامحوا عن عقولهم وضمائرهم ، ولكنهم مهما كذّبوا لا يستطيعون إمحاء الحق عن مقره ، وإزالته عن مستقره ، فإن للحق دولة وللباطل جولة (وَكُلُّ أَمْرٍ) من الله «مستقرّ» فيما أقره الله ، دون تزعزع واضطراب ، وليس على أهوائهم الهاوية ، ومحاولاتهم الخاوية ، فالحق لا تتجاذبه الأهواء ، وناكروه إلى هواء وهباء.
وقد يشمل «كل أمر» كلّ أمر من الأمور : أشياء وأفعالا ، ومن الأوامر ، ومن حق أو باطل ، فكلّ أمر من هذه الثلاث يستقر في مستقره ، فيتبين حقه من باطله ، إن في يوم الدنيا او في يوم الدين ، فالأمور والأوامر الإلهية تستقر في مستقرات الحق بما تملك من حق ومن براهين الحق ، ثم الأوامر والأمور غير الإلهية المتحللة عن الوحي والعقل ، إنها تستقر في مستقرات الباطل وثغراتها وسقراتها دنيا وعقبى ، فالحق يبقى حقا كما بدء (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٢٥ : ٧٦).
والباطل يزول زاهقا كما بدء : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٢٥ : ٦٦) (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) (٥٤ : ٣٨).
ومن الأمور المستقرة هنا أمر التصديق والتكذيب بالآيات الإلهية ـ كسائر الأفعال والأقوال ـ فإعراضهم ، وقولهم : (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) وتكذيبهم واتّباعهم أهواءهم ، كل ذلك أمر مستقر ، وكما الحق يستقرّ ، و (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٣ : ٣٠).