وكما أنه يخلف فسوقا : خروجا عن طاعة الله ، فمعظم الفسوق من مخلفات الاستكبار كما ان الاستكبار من خلفيات الإخلاد إلى الحياة الدنيا : ظلمات بعضها فوق بعض.
إن الاستكبار فسوق عن طاعة الله ، ومروق عن عبادة الله ، فإن الكبرياء ليست إلا لله ، فالجزاء ، العدل ، الوفاق الفرض ، لمن استكبر في الأرض ، ليس إلا عذاب الهون : هونا على هون ، فمن عذاب ما ليس على هون رغم أنه في نفسه هون ، وذلك للفاسق غير المستكبر.
وقد توحى آية الفسوق هذه بأن الكفار مكلفون بالفروع ، مؤاخذون عليها كما الأصول ، حيث الفسوق بالاستكبار ليس إلا عمل المعاصي وترك الطاعات ، كما الاستكبار في الأرض ، نكران للأصول ، واستبداد على الله وعلى عباد الله ، فلو اختص عذاب الهون بالاستكبار ، لم يك لذكر (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) مجال ، إذا فهم معذبون بالكل ، دون اختصاص بالجل : الكفر والكفر فقط : بل والمعاصي أيضا.
صحيح ان الطاعات لا تقبل إلا الايمان ، فالصالحات ممتنعة مع الكفر ، إلا أنها امتناع بالاختيار ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
* * *
(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢)