يستمتع بها اخلادا إلى الحياة الدنيا فيقال لهم :
ها أنتم لم تدخروا من هذه الطيبات شيئا تعيشون بها في الأخرى ، إذ لم تحسبوا لها حسابا ، وإنما حسبتم أنها الأولى والأولى فقط ، فأذهبتم فيها كل الطيبات ، غافلين عن الأخرى كأن لم تكن شيئا مذكورا : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
ترى وما هي الطيبات الذاهبة الفانية في الحياة الدنيا ، التي كان من المفروض إبقاءها واستثمارها للحياة الأخرى ، والدنيا بما فيها فانية لا تبقى؟!.
إن الطيبات هي طيبة الحياة : روحا انسانية وعقلا ؛ حالا ومالا ، وكل ما رزقك الله من مظاهر الحياة ، روحية ومادية ، التي تتبنى لك حياة سعيدة في العاجل والآجل. ولكنك أذهبتها في هذه الدنيا مبصرا إليها كأنها الحياة فقط ، لا مبصرا بها عمق الحياة ، ولكي تستغلها للأخرى ، مستقلا لها في الأولى ومستكثرا للأخرى ، فأنت أنت الأحمق الأطغى أغمضت عين العقل فأذهبت طيباتك في حياتك الدنيا ، وبدلت نعمة الله كفرا ، واستمتعت بها كأنها فقط للأولى ، ولإشباع غريزة الشهوات ، فلم تبق لك أية طيبات ، اللهم إلا خبيثات وخبيثات (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٨ : ٣٧) : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) (٤٢ : ٤٥).
إنكم (اسْتَمْتَعْتُمْ بِها) بدل أن تستمتعوها ، لتشتروا بها الحياة الأخرى ، فلا متعة لكم منها فيها حيث اذهبتموها في متع الأولى ، وهذه إهانة لنعم الله ومهانة للطيبات تجزون بها جزاء وفاقا :
(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) : استكبار يخلفه اذهاب الطيبات في الحياة الدنيا تغافلا عن الأخرى ،