لا يستصعب ما يلقاه من كفرة قومه ، وليصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، وأولى له أن يصطبر.
يبتدء في هذا العرض بقوم نوح ، لأنهم (كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) وينتهي إلى قوم فرعون ، ثم يجمعهم وأضرابهم في ضلال وسعر : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ).
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)(١).
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : قبل هؤلاء المكذبين بك (قَوْمُ نُوحٍ) : بالمرسلين (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (٣٦ : ١٠٥)(فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) الواصب في العبودية ، الصامد في الدعوة ، تكذيبا بعد ما كذبوا المرسلين قبله ، ومتفرعا عليه إذ اعتادوا تكذيب الرسالات الالهية : (فَكَذَّبُوا) ولكن من؟ (عَبْدَنا) كأنه العبد لا سواه في مجموع المكلفين ، فلم يقل (عَبْداً مِنْ عِبادِنا) وانما (عَبْدَنا) فقد كان تكذيبه تكذيبا لله ، واضحا وضح النهار ، كذبوه الف سنة إلا خمسين عاما ، (وَقالُوا مَجْنُونٌ) فيما فعلوا وقالوا ، قولة الفعل والقول ، ولكنها تختص هنا بالذكر تدليلا على جمعها مجامع التكذيب قوليا وعمليا ، فانها أشر وأخطر ما تواجه به الرسالات من الدعايات المضادة الجارفة ، إذ تسقط المرسلين عن عيون البسطاء ، ودون ان تحمل حجة او شاهدا.
(وَازْدُجِرَ) : علها من قولتهم : ان الجن زجرته : صاحت به عن جموع العقلاء وطردته ، او وبلغ به الجنون الى حد زجرته مجننوه ايضا عن جموعهم ، فأصبح أجن من سائر المجانين ، وكأنهم عقلاء بجنبه ، إذ يعمل ويقول مالا يعمله ولا يقوله المجانين ايضا ، فقد بلغ من الجنون قمته ، ومن الزجرة ذروته!.
او ان (ازْدُجِرَ) استعراض لأهم مخلفات فرية الجنون : أنه إثر هذه الفرية ـ وبعد ما كررت وركزت وأخذت مأخذها من نوح طوال الدعوة ـ انه (ازْدُجِرَ)
__________________
(١) راجع سورة نوح في ج ٢٩ ص ١٤٥ ستجد تفاصيل من دعوته وتكذيب قومه.