بما زجره قومه ، أن صاحوا عليه وطردوه ، وكأنه ارتكب جريمة نكراء ، .. زجروه فازدجر ، بدل ان يزدجروا ـ هم ـ (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ)!.
وعلهما معا معنيان إذ تتحملها الصيغة (وَازْدُجِرَ) ازدجارا فعليا من قبل قومه ، بعد ازدجاره قوليا : ان الجن زجرته بالمعنيين المسبقين ، فأصبح مغلوبا في ثالوث الازدجار فطلب من ربه الإنتصار :
(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)
فليس من الهيّن أن يتهم رسول كنوح (ع) بهذه التهمة الوقحة ، وهو من الكرامة عند الله لدرجة كأنه عبده لا سواه «عبدنا» بين عامة المكلفين زمنه. فينزله قومه الى درك الجنون وأجنه ، فيطردونه عن دعوته ، ويقصرون لسانه عن تبليغ رسالته ، فيصبح مغلوبا على أمره وكأنه لا يحمل رسالة! .. فحق له إذا أن يدعو ربه (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)! ، وبعد دعائه لهم الطويل الطويل ، وحججه عليهم ، اللذين تحملها سورتا نوح وهود (ع).
فمهمة الرسالة لا تنتهي إلا بعد بلاغها الأسماع إن نفعت ، وبلوغها القلوب كما أريد منها : او بعد إياس الرسول عن تأثيرها في المرسل إليهم : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) فقد انتهى الأمران لنوح ، بلاغا في المؤمنين القلة (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) وفرارا في الباقين الكثرة ، إذا فهو مغلوب في مهمته ، وعليه ان ينتصر من ربه (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) :
يا رب انتصر : انتقم نصرة لرسالتك ، لرسولك ، لشريعتك ، لحقك ، فالأمر أمرك ، والعبد عبدك ، والرسول رسولك ، ثم ولا رجاء في هؤلاء ، ولماذا؟ لأنهم كذبوه رغم طول الدعوة ، والمصابرة المثابرة على أذاهم ، صامدا لاستهزائهم ، يرصد فيهم بريق الأمل ، ويشيم منهم بارق الايمان ، ولكنهم ما زادوا على الأيام إلا عتوا ونفورا ، ففزع الى الله شاكيا ملتجيا ، مستعينا مستهديا ، في هؤلاء الذين