يبعث الله بشرا : (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (٦ : ٩١)(بَشَراً مِنَّا) فلو كان بشرا من غيرنا لا مثلنا ، فعلّه كان أهلا للإتباع : (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) (١٤ : ١٠)(بَشَراً مِنَّا واحِداً) : واحدا عن الأنصار ، وعن العشيرة والمال ، وعن طاقات بشرية وسواها قد تؤهله للاتباع : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٤٣ : ٣١).
فهؤلاء الأوغاد المناكيد يتذرعون بثالوثهم المنحوس هذا ، إلى تكذيب بشر رسول ، وترى ماذا يمنع عن كون بشر رسولا إلى بشر؟ وفيه الحجة ، وبه قطع الأعذار وإكمال المهجة ، فحتى ولو بعث ملكا لجعل بشرا لهذه الغاية واضرابها (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٦ : ٩).
وترى بعد أن في إتباع الرسول البشر ضلال وسعر كما تقولوا : (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) : ضلال في أرواحنا ، وسعر : نيران متسعرة عاتيا في حياتنا كلها ، ولماذا نتبعه فنسجر لأنفسنا حياة جهنمية ضالة؟!.
وإذا كان هنا ضلال وسعر ، فهل في تكذيب الرسل هداية وجنة ، ويا لها من معاكسة ضالة جهنمية يتذرعون بها إلى تكذيبهم رسل الله!. ويا لهؤلاء المكذبين من قدسية احتياطية يتحرزون لها عن إتّباع رسل الله ، احترازا عن ضلال وسعر ، هما من مخلفات تكذيب رسل الله!.
ثم نراهم يضيفون إلى ثالوثهم رابعا يدعمون به صرح الطغيان ، ظلمات بعضها فوق بعض ، وشبهات مكررة تحيك في صدور المكذبين طوال تاريخ الرسالات :
(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)؟ :
كأنهم هنا أغمضوا النظر عن ثالوثهم المسبق : فليكن بشرا منا واحدا!