وقد يوحي هذا التشبيه أنهم كانوا جساما أقوياء كالنخل ، إلا أن عذاب الله أقوى فلا يعرف قوة لهؤلاء الهزلاء الضعفاء.
ثم وهذه الصرصر كان لها حرّها إضافة إلى قرّها ، نموذجا من النار الزمهرير في الجحيم: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (٤١ : ١٣) ازدواجية عذاب الحرّ والقرّ من هذه الريح العقيم الصرصر : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) (٥١ : ٤١) وعلها كانت في أولها صرا ، ثم أصبحت حرا ، أم هما المستمران طول الأيام الثمانية!.
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ)؟ والجواب هو واقع المشهد لصرعى الزمجرة ، ومن ثم نقله في هذا الذكر الحكيم يسرا للمدّكرين :
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) .. تتكرر هذه الذكرى في هذه المصارع أربع مرات ، ولكي يتذكر من أراد أن يذّكرا وأراد نشورا.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ. فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ. أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ).
وثمود هم قوم صالح ، كذبوا بالنذر قبل صالح ومعه وإياه ، وهو يختص بالذكر من بينهم لأنه أعظمهم وآيته الناقة من أعظم الآيات ، فظلمهم بها من أقبح الظلم : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَلا يَخافُ عُقْباها)(١).
انهم كذبوا بالنذر قوليا وعمليا ، فما أبقوا فيما طغوا شيئا إلّا فعلوه (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) مثلث التأنيب ذريعة للتكذيب : (أَبَشَراً) وكيف
__________________
(١) راجع ج ٣ ص ٣٣٥ من الفرقان.