فتبين لهم منها من هو الكذاب الأشر ، قبل أن يعلموا يوم القيامة ، فالغد هنا يشملهما ، ولا سيما أن في غد الأولى حجة حاضرة حاذرة ، وليس في الأخرى إلّا تخويفا قد لا يخوفهم لأنهم ناكروه وكما في (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ ..) إيحاء ظاهر ان لإرسالها رباطا باهرا بالكشف عن الكذاب الأشر.
(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) : ـ ولقد حمل صالح هذه الرسالة الآية :
(قالَ ... قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧ : ٧٣) (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) (١٧ : ٥٩) «فارتقبهم» فيما يفعلون ويفتعلون رقابة الرسالة فتبشيرا وإنذارا «واصطبر» على أذاهم ، ولكي يعلموا من الكذاب الأشر.
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) : ـ (هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٢٦ : ١٥٥) فقد كانت آية في ولادتها دون والدين وعن الجبل ، وفي شربها الماء قدر شرب القوم ، آية حجة وابتلاء.
(... قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) : قسمة إلهية بينهم وبين الناقة ، كل يشرب : نصيب الشرب محتضر : حاضر دون انتقاص ، قسمة عادلة حاضرة.
فهل انتبهوا بهذه الآية وخرجوا عن غيّهم؟ كلّا! إنهم ارتكبوا جريمة نكراء ، لقد فتكوا بالآية المعجزة وقتلوها :
(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) : وذلك رغم ما حذروا عن مسها بسوء : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ... فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٧ : ٧٣ و ٧٧).