ابتلاء لآبائهم إذ يرونهم هلكى كأمثالهم ، ثم هم يجزون جزاء القاصرين غير المقصرين ولا يظلمون نقيرا ، وكما يرون آباءهم المقصرين معذبين فيجبر بلاءهم ، وما الله بظلّام للعبيد!.
ومما يوحي بهذا التحليل الآيات المحتجة عليهم ، المنددة بهم ، المحذرة إياهم عن العذاب ، والقصّر خارجون عنها كلها :
(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) :
علّها مثلث البطشة : من طمس أعينهم ، إذ راودوا لوطا عن ضيفه ، ومن إرسال الحاصب عليهم بحجارة من سجيل ، ثم البطشة الكبرى في الأخرى (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (٤٤ : ١٦).
فالبطشة المنذر بها تشملها كلها ، وكما أنذر : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (١٥ : ٦٦) كما وأنذر ـ مثل سائر المنذرين ـ البطشة الكبرى ، ولكنهم (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) : ترددا في أمرهم ، تداولا للمرية فيما بينهم ليجسموها كأنها الحق ، متحاجين على النذر ، مهددين إياهم ، مستهزئين بهم ، لاغين معهم ، وإلى كل صنوف المماراة.
(وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ).
المراودة هي التفاعل والتعامل في الرّود والتردد في طلب الشيء برفق أو أي ضرب من ضروب المحاولات ، ولقد كانت مراودتهم إياه عن ضيفه ـ إذ حسبوهم غلمانا صباحا. فهاج سعارهم ـ كانت شرسة نحسة للغاية : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ. قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ. قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ..) (١١ : ٨١) ف (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) إيحاء لطيف انهم على جموعهم المحتشدة