وإصرارهم لن يصلوا إلى بغيتهم ، إذ إن هؤلاء ملائكة الله ، وان الله يطمس أعين القوم دونهم: (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) .. وهل إنه طمس بذهاب أعينهم إلى العمى (١) كما هو ظاهر الطمس ، وليس الستر أو السدّ حتى يكون مؤقتا ، وكما قد توحي له (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) فليس الحجاب المؤقت عن الرؤية عذابا في هذا الحساب! ثم وهذا من ذوق العذاب فما هو ذوق النذر؟.
إنه ذوق لنذارات النذر بالعذاب المنذر به ، وتحقيق وعدهم ، وتكريمهم فيه رغم مهانة المنذرين ، وقد أنذرهم لوط هذه البطشة الطامسة الحاصبة :
(وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ).
فطالما الطمس وذهاب الأعين آني لا يستقر عذابه ، مهما استقر حرمانهم عن الرؤية ، ولكنهم بطمسهم عن الحياة بالحاصب استقروا في العذاب دون فتور ، لاتصاله بعذابي البرزخ والقيامة.
(فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) :
نذير فوق نذير ، وتذكير فوق تذكير ، وعذاب فوق عذاب بما قدموا من نكير! (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ. كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ).
ومن أكبر النذر موسى عليه السّلام آية إلهية عظمى يحمل آيات معجزات ، وآل فرعون كذبوا بهذه الآيات كلها ، لا بكل الآيات الإلهية طوال الرسالات ، فإن منها ما حصلت زمن موسى ونذر معه ، أو قبله وبعده ، ومنها ما اختصت
__________________
(١) الكافي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قصته لوط .. فكابروه ـ يعني لوطا ـ حتى دخلوا البيت فصاح به جبرئيل فقال يا لوط دعهم فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قول الله عز وجل (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ).
وفي علل الشرايع عن أحدهما (ع) فأشار إليهم جبرئيل بيده فرجعوا عميانا يلتمسون الجدار بأيديهم يعاهدون الله عز وجل : لئن أصبحنا لا نستبقي أحدا من آل لوط.
(الفرقان ـ م ٣٢)